ابتسام شديد - الديار
بسرعة فائقة أتى الرد على اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، بإطلاق حزب الله ٦٢ صاروخا على قاعدة ميرون الجوية التي تقع على أعلى قمة جبل في فلسطين، وتعتبر مركزا للإدارة والمراقبة والتحكم الجوي. وباعتراف وسائل إعلام العدو، فان حزب الله وجه ضربات دقيقة، وان الهجوم"مقلق" لـ "الاسرائيليين" ويثبت قدرات الحزب على اختراق "المنظومة الإسرائيلية" من ناحية المعلومات التي يملكها الحزب عن المواقع الاستراتيجية "الإسرائيلية" وفقا لوسائل الإعلام نفسها.
الرد "الأولي" من قبل حزب الله على استهداف الضاحية الجنوبية، هو كما يجمع المراقبون نتيجة طبيعية ومتوقعة في سياق المعركة التي يحتفظ فيها حزب الله بالعديد من المفاجآت، فالأمين العام السيد حسن نصرالله توعد بالعقاب، ولأن الحزب كما ينقل عن سياسيين مقربين منه يعتبر الاغتيال رسالة مباشرة له.
فمنذ وقوع الاغتيال، حسم السيد نصرالله بالمبدأ المسألة بقوله "اغتيال الضاحية" "جريمة خطرة لا يمكن ان تمر من دون رد او عقاب"، تاركا العدو الإسرائيلي في حالة ارتياب، فلم يحدد طبيعة الرد ولا وقته ومكانه في اطار اللعب على اعصاب العدو، مع ذلك فإن الرد المنتظر كان من المتوقع ان يكون موجعا كما حصل، بعد ان خضع كما تقول المصادر لعملية تقييم وحسابات دقيقة، فالحزب يدرك ان الاستفزازات "الاسرائيلية" لها عدة أهداف اليوم، منها ان القيادة العسكرية "الاسرائيلية" تريد جره الى الحرب التدميرية الشاملة، لصرف النظر عن حرب غزة التي يتعرض فيها "الاسرائيلي" لمساءلات دولية، كما ان هناك ضغوطا داخل الكيان على حكومة نتنياهو لوقف الانتهاكات وإبادة الشعب الفلسطيني.
الجواب عما كان سيفعله الحزب، يكمن في القراءة الدقيقة لكلام نصرالله عشية الاغتيال، والذي ترك فيه الرد لما يحدده الميدان، فعلى الأرجح ان حزب الله لن يبادر الى إهداء رئيس الوزراء العدو ما يخطط له، والرد سيكون في التوقيت الذي يختاره حزب الله ويتناسب مع الاغتيال الذي وقع في عمق الضاحية الجنوبية، طبعا مع مراعاة الهواجس الوطنية وعدم توفير الحجة التي ترغب "اسرائيل" الحصول عليها، لتشن الحرب المدمرة على لبنان أسوة بحرب غزة.
هجوم قاعدة ميرون يؤكد ان لدى حزب الله العديد من المفاجآت واوراق القوة العسكرية، ووفق المصادر فإن اطلالة السيد نصرالله ما قبل الأخيرة حملت رسالة "دالة" وخطرة لـ "الإسرائيليين"، إذ تقصد التركيز على "غوش دان" التي تضم مصانع ومنشآت نفطية ضخمة في سياق التهديد بحرب شاملة.
وفق المحللين، فإن الحزب جاهز لكل الخيارات، الا ان اي اجراء يقوم به حزب الله يراعي الاعتبارات الداخلية اولا، والرد المؤلم على اي اعتداءات "إسرائيلية" أمر محسوم كما حصل في الهجوم على شقة الضاحية لعدة اعتبارات، فالقيادي الفلسطيني صالح العاروري له حيثيته القيادية لدى المقاومة، وكان على تنسيق وتواصل مع قيادة حزب الله، أضف الى ذلك فان الرد على طريقة العين بالعين والمنزل مقابل منزل، التي طبعت المواجهة العسكرية بين حزب الله و "اسرائيل" مؤخرا، تقتضي التعامل بالمثل لمنع العدو من تكرار المحاولة مرة أخرى، خصوصا ان حكومة نتنياهو تخطط لتصفية القيادات الأمنية الفلسطينية خارج غزة، على ان الرسالة الأهم في التطورات والمواجهات الاخيرة بعد الاغتيال، فهي ان ان الضاحية "خط أحمر" مهما كانت التبريرات بعدم سقوط مدنيين لبنانيين، وان العملية استهدفت فقط قيادات حماس.
وتؤكد المصادر ان حزب الله في جهوزية تامة لساعة الصفر، وانه لن يسكت على عمليات استفزازه، لكن لا مهل زمنية لعملياته العسكرية فالاتكال على الميدان أولا ووفق أجندة المقاومين وتوقيتهم والأهداف المختارة.
وعلى الرغم من التنسيق بين حماس والحزب، إلا ان الرد على عملية الضاحية متروك لحزب الله، كون الإغتيال حصل في عمقها الجغرافي، فيما رد حماس متعلق بها وفي توقيتها داخل غزة ، فالحزب له استقلاليته بالأعمال القتالية، وما يحققه بإبقاء الجبهة الحدودية في حالة إشغال للعدو الاسرائيلي لتخفيف الضغط عن غزة، لكن مع الحفاظ دائما على ضبط النفس بمواجهة المراوغات "الإسرائيلية"، ومحاولة جر لبنان الى الحرب الكبرى التي يريدها نتنياهو، من هذا المنطلق لم يضرب الأمين العام لحزب الله في خطابيه الاخيرين موعدا محددا لأي ضربة، كما لم يحدد اطارا او شكلا لما سيفعله، معتمدا الاستراتيجية الهادئة في التعامل والنفس الطويل، لترك "الإسرائيلي" في حالة قلق وتوتر دائمين .
على ان اعلان السيد عن فرصة تاريخية لتحرير الأرض، يحمل في طياته إشارات عن تحولات ومرحلة جديدة في تاريخ لبنان والمنطقة، وأهم ما في خطابه إعلانه معادلة الإنسحاب من الأراضي المحتلة في الجنوب بانسحاب "إسرائيل" من غزة. وما يستنتج من كل الأحداث ان "إسرائيل" امام احد السيناريوهين: إما الذهاب الى الحرب المكلفة والتي ستكون انتحارا لها، او المعارك الأمنية، والخياران يشكلان عاملا خطرا ومهددا لها.