كريم حسامي
تشتّد وتيرة المواجهة الأميركية-الإيرانية في ساحات الشرق الأوسط وأهمّها العراق، سوريا ولبنان، حيث تدفع الشعوب ثمناً باهظاً نتيجتها، مثلما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: "لا أعرف من باع الوطن لكنني رأيت من دفع الثمن".
وتتحكّم الولايات المتحدة بسياق هذه المواجهة عبر زيادة وتيرتها وفق أجندتها وتوقيتها، لذلك تكون طويلة الأمد وشاقة، في وقت قرّرت إيران مجابهتها مع مجاراتها أحياناً وأحياناً أخرى لا تُمانع تلقي اللكمات والضربات مع تنازلات.
لكن وفق ما يبدو، فإن القرار اتُخذَ لاخراج إيران من الشرق الأوسط عسكرياً عبر تصعيد الحملات العسكرية رويداً رويداً توازياً مع الضغط الاقتصادي الرهيب.
وفي السياق، قال خبراء في العلاقات الدولية إنّ "السياسة الأميركية ناجحة تماماً، فتدرك جيّداً أنّ إضعاف اقتصاد أي بلد يؤدي لانهيار عملته وبالتالي تفكّك بنيته الداخلية والذهاب نحو "اعادة هيكلته"، أي إعادة تدوير النظام باقتصاده ونسجيه السياسي والاجتماعي".
وأضافوا أن "الضغوط الاقتصادية تحت أسباب مٌتعدّدة أدّت غايتها في انهيار سوريا ولبنان والعراق، ما يؤدي إلى انهيار عملاتهم، حيث لا يمكن التعامل بالعملة وبالتالي يتم استبدالها بعملة أخرى".
نقطة التحوّل هذه تدفع بالخيار العسكري قدماً، عبر تدخّل خارجي، من أجل استبدال العملة، وفق الخبراء. وهذا ما بدأنا نرى ملامحه في العراق وسوريا ولبنان، عبر استغلال التقهقر غير المسبوق في الأوضاع من أجل فرض الأجندة الدولية وإبعاد إيران".
أمّا الوجه الآخر، فهو توحيد الجمهورية الإسلامية الساحات الثلاث ولاقتها الولايات المتحدة. ونفذّت القوات العراقية مداهمات ضد مواقع كتائب "حزب الله" العراقي، واعتقلت عدداً منهم قبل الافراج عن بعضهم، ما يبُيّن أن الحكومة العراقية لم تأت بتوافق أميركي-إيراني.
وطبّقت القوات العراقية للمرة الأولى أوامر غير مسبوقة لرئيس الوزراء مصطفى كاظمي وسط معلومات عن مشاركة القوات الأميركية في العملية على رغم النفي الرسمي، ما أدّى إلى توتر العلاقات بين الفصائل الموالية لإيران والكاظمي، في ظلّ نأي طهران بنفسها ظاهرياً عبر القول إنّ "هذه مسألة عراقية داخلية لا دخل لها فيها".
هذا التطور الجديد يوضح مدى جدّية الولايات المتحدّة في إنهاء الوجود الإيراني وإلى مدى تنوي الذهاب وملاحقة أوكاره عند كل دار وزاوية.
إلى ذلك، توسيع نطاق الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية والتابعة لحزب الله في سوريا وزيادة وتيرتها حتّى أصبحت شبه أسبوعية أو يومية. وآخرها الضربة الإسرائيلية على موقع إيراني في البوكمال، مباشرة بعد زيارة قائد "الحرس الثوري" إسماعيل قاأني البوكمال، ما أدّى لمقتل 6 عناصر إيرانية وسورية.
هذه التطورات توحي بمزيد من الضربات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، حتّى تدمير آخر قاعدة إيرانية توازياً مع تطبيق قانون "قيصر" الذي يخنق سوريا ولبنان.
أمّا في لبنان الذي يُعتبر الأهم في النزاع، فالتقارير تتزايد عن احتمالين: إمّا استفادت إسرائيل من انهيار الوضع الاقتصادي والاجتماعي لمهاجمة "حزب الله" بعد تطويقه وخنقه اقتصادياً، من أجل إنهاكه قبل "التخلص" من الوكيل الإيراني، فضلاً عن حشره عبر التنقيب في "البلوك 9" الذي وعَد سابقاً نصرالله بالردّ على هذه الخطوة عسكرياً. لماذا اتخذت إسرائيل هذا القرار بعد سنوات من تفاديه وفي ظلّ تفكّك "بلاد الأرز"؟ وجدَت تل أبيب اللحظة المناسبة ليستسلم لبنان لها، فهل يفعلها ويلبّي رغباتها؟ هذه هزيمة للحزب فهل يتقبلها؟
الاحتمال الثاني هو ضغط الحزب على الزناد بالهجوم لفكّ المشنقة عنه وإراحة نفسه، في وقت تحوّل المسعى الأميركي لاخراج الحزب من الحكومة كلياً إلى مسعى أميركي بريطاني فرنسي. وهذا ليس وارداً عند "حزب الله" إطلاقاً لأنّه يُعتبر تنازُلاً وسط مواقف أميركية متشددة جداً تترافق مع الحرب الديبلوماسية.
بين هذه الخيارين، لا يبدو أن التسوية السياسية سيكون لها فرصة.
لذلك، تكون الحرب ضد إيران ووكلائها اقتصادية لهلاكها مع ضغط عسكري متزايد.... تزيد مؤشرات تحوّله إلى خيار عسكري واسع للقضاء عليها بالكامل ما يدفعها لعدم التفكير في العودة بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدتها وتكون بمثابة "روحة بلا رجعة" قاسية.