"حان الوقت لمراجعة الإطار الذي سمح بالتوصل إلى نتيجة على صعيد الحدود البرية والعمل كذلك على سلام بري"
بهذه العبارة، ختم كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الطاقة آموس هوكستين، خلال مؤتمر صحافي، زيارته الأخيرة لبيروت.
أما اليوم، فزيارته التي اعتبرها البعض مفاجأة، لم تكن بـ"مفاجأة"، فكان من الجليّ قبل حوالي شهر من اليوم، أن أي تدخل محتمل لحزب الله في الصراع وفتح جبهة الجنوب، سيقود بنهاية المطاف إلى دخول الموفد الأميركي على الخط، وذلك في خضم الحديث عن ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل قبيل فترة وجيزة من عملية "7 أوكتوبر".
لا وسيط ولا رسول.. المفاوض "بشحمه ولحمه"
يُعتقد أن هوكستين هذه المرة، ليس مجرّد رسول، ولا وسيط، إنما هو المفاوض بـ"شحمه ولحمه"، وسط تخوف من انتقال المواجهة بين "الحزب وإسرائيل" إلى "الحزب والولايات المتحدة"، بعدما أعلن السيد نصرالله عن جهوزية الحزب لضرب البوارج وحاملات الطائرات الأميركية بـ"العُدة" المناسبة.
أما عند النظر بتمعن إلى المسار الطويل منذ ما قبل "7 أوكتوبر" حتى اللحظة، يمكن استنتاج فحوى زيارة هوكستين إلى لبنان، بدءا من وضع الأسلاك الشائكة حول قسم من بلدة الغجر المحتلة، والتوتر المتزايد عند بعض النقاط البرية حيث نصب حزب الله خيمة له، مروراً بالبلوك رقم 9 التي لا تزال أسئلة كثيرة تطرح حول توقف أعمال الحفر فيه قبل الوصول إلى العمق المحدد وفقاً للمعايير العلمية فضلاً عن توقيت توقف الحفر، وصولاً إلى رغبة الادارة الاميركية في تشكيل الطاقم السياسي اللبناني العتيد بالتعاون والشراكة مع المكون "الشيعي".
وفي الوقت الذي كشف فيه المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أنه وهوكستين يشاركان في مفاوضات تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، أشار إلى أنه كان له دور مهم مع المسؤول الأميركي بشأن خروج حاملي الجنسية المزدوجة والجرحى من قطاع غزة. وقال اللواء إبراهيم، في حديث لإحدى المواقع اللبنانية، إن المفاوض الأميركي آموس هوكستين اتصل به وطلب منه المشاركة في مفاوضات عملية تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.
إن تطور العلاقات بين الادارة الاميركية واللواء ابراهيم في السنوات الاخيرة، سيؤدي بنهاية المطاف الى انتخاب ابراهيم لرئاسة مجلس النواب ضمن صفقة كاملة متكاملة تبدء برئاسة الجمهورية وتنتهي في الغجر.
في التفاصيل.. هذه هي مكافأة حزب الله لعدم توسيع الحرب
العيون شاخصة نحو يوم السبت لمعرفة ما سيخرج به السيد نصرالله، خصوصاً بعد استهداف اسرائيل سيارة مدنية وبالتالي خروجها عن قواعد الاشتباك، إلا أنه من المتوقع أن يكون الرد محدوداً خصوصاً بعد زيارة الموفد الاميركي، لعدم "تطيير" هذه الفرصة الذهبية لترسيخ معادلة "مشاركة القوة" الأميركية – الشيعية في لبنان والمنطقة، لتكتمل الصورة أمامنا وتصبح مكافأة الحزب لعدم توسيع الحرب وتثبيت الوضع على الشكل التالي: وصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة الاولى، بالمقابل يتولى اللواء عباس ابراهيم رئاسة مجلس النواب خلفاً لنبيه بري، كونه يتمتع بعلاقات ممتازة مع الجانب الاميركي وهو من رحم الثنائي الشيعي. وبغية إظهار حزب الله بأبهى حلّة أمام الرأي العام اللبناني، ليس هناك من سبيل سوى اللجوء إلى الحجة الأساسية لحيازته السلاح وهي "مقاومة الاحتلال"، فكيف لو انسحبت إسرائيل من بعض النقاط البرية المحتلة لصالح لبنان؟
تخيّلوا لو حدثت مفاوضات "غير مباشرة" مجدداً، ولكن هذه المرّة الأمر يتعلق بالحدود البرية، حيث ستكون هذه المفاوضات إلى جانب مخطط الـ "ترانسفير" لسكان غزة الى صحراء سيناء، أول خطوة على طريق تصفية القضية الفلسطينية ومعها حقوق لبنان البرية.
ولكن على عكس ماحدث في الترسيم البحري، سيكون للبنان مكتسبات ولو محدودة تتمثل بانسحاب محدود جداً لاسرائيل من القسم المحتل حديثاً من بلدة الغجر. ونتيجة لذلك، سيُسجل ذلك كانتصار وبالتالي يترسخ نفوذ الحزب وحلفائه في الدولة اللبنانية، ويتوسع هامش التحرك الأميركي أكثر للوقوف سداً منيعاً بوجه الطموح الروسي بالتوغل في المنطقة، في سوريا ولبنان وصولاً إلى افريقيا مروراً بغزة. إلا أن هذا الأمر، يبقى رهن التطورات جنوباً ومدى التزام إسرائيل بقواعد الاشتباك ووقف استهداف المدنيين، وهو ما لن يتحقق في القريب العاجل، إلا أنه آتٍ لا محال.