الجمهورية
بسام ضو
تعتبر مراكز الأبحاث للبحوث والإستشارات المحلية ـ الإقليمية ـ الدولية أنّ الحروب هي لغة غير عقلانية، وتستند في أبحاثها الى مجموعات استبيانية بدءًا من المواقف التي تنطلق من الأسباب إلى الأهداف، إلى التأثيرات على الأوطان ومآلاتها. وغالبًا ما تأتي النتيجة أنّ هناك نسَباً متفاوتة في عملية التأييد والتبنّي والمحايدة، لكنّ مجمل النتائج تميل إلى عدم التأييد وغالبًا ما تكون النسَب فوق الـ 61 في المئة من الذين يُعارضون الحروب ويذهبون نحو الحلول الموضوعية التي تحفظ أكبر مقدار ممكن من الحقوق التي تكفلها القوانين المرعية الإجراء.
في تحليلٍ موضوعي لما يجري بين الفلسطينيين الممثلين بحركة «حماس» ودولة إسرائيل، يبدو انّ بداية العالم بأسره مع السلطة الفلسطينية الشرعية ومع مقررات جامعة الدول العربية والمبادرات الآيلة إلى السلام العادل والشامل. في الإجمال، انّ المجتمعين العربي والدولي يوافقان على الرأي القائل انّ للشعب الفلسطيني حقوقاً في إقامة دولته السيدة والمستقلة ويتوافقان في الرأي عى أنّ العملية السليمة شابَها عدد من العيوب وأهمها الغطرسة الإسرائيلية وفي المقابل عدم إتقّان الفلسطينيين الممثلين بالسلطة الرسمية المنهج الديبلوماسي الذي يُجبر إسرائيل على تلبية مطالبهم المُحقة إزاء قضيتهم، وهذا ما تعمل له بعض الدول العربية في المحافل الدولية لإنتاج تفاهم لحل هذه المعضلة التي طال أمدها بسبب التعنّت وعدم الإصرار على المطالب بسبب الإنقسامات العربية ـ العربية والتفرّد في الآراء من جانب بعض الأنظمة.
نسبة الحرب القائمة اليوم تُرجعها فئة من الباحثين إلى وجود تيّار إقليمي متشدِّد ضد السلم مع إسرائيل، كما مسألة تدخّل هذا التيّار الإقليمي لحماية القضية الفلسطينية على ما يُسوقه إلى العلن عبر أنصاره وعبر إعلامه وعبر حركته المُسلّحة، وتوعِز مراكز الأبحاث إلى سعي هذا التيّار الإقليمي للعب دور محوري ونفوذ في المنطقة وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، وهو على حَد ما يُنسبْ إلى مراكز الأبحاث أنه «أحد المُسببين لهذه الحرب».
لا يفوتنا نسيان أنّ بعض مراكز الأبحاث تذكر على هامش هذه الحرب أنّ حالة خرق القوانين الدولية وحركات التغاضي في بعض الدول التي يُسيطر عليها هذا التيّار الإقليمي هي أحد العوامل المسببة لهذا التمدُّد بالسلاح والمال والدعم المعنوي. كما تجدر الإشارة إلى أنّ غالبية مراكز الأبحاث توافق على هذا الرأي القائل انّ هناك عوامل داخلية سمحت لهذا التيّار الإقليمي بالتمدُّد داخل أراضيها تحت عنوان واحد، ألا وهو «الدفاع عن فلسطين».
أما بخصوص السؤال: ما مدى تحقيق هذه الحرب الحالية أهدافها المعلنة والمتمثلة في استعادة الدولة الفلسطينية من كنف الإحتلال ؟ فإنّ غالبية مراكز الأبحاث تعتبر أنّ الموضوع أكبر من ذلك بكثير وهو عميق الأدوار والمطالب والأهداف ولا بدّ من رابح وخاسر في النهاية.
من الواضح أنّ الحرب الدائرة حاليًا وردود الفعل العربية والعالمية التي تستفزّها ستكون عاملاً حاسماً في إعادة تشكيل نظام سياسي جديد. ومن الملاحظ أنّ التيّار الإقليمي يسعى إلى لعب دور محوري في إعادة بناء خريطة جديدة بأهداف استراتيجية طويلة الأمد. والأحداث تُلزم طرح كثير من الأسئلة وتُختصر بـ»هل في استطاعة هذا التيّار الإقليمي في حالته الحاضرة تغيير موازين القوى وببساطة أن يرى إسرائيل خارج الوجود أو أنه قد يتصوّر انتصارًا على تخوم حدود إسرائيل يُرسي الأُسُس لشرق أوسط يشارك في حكمه وخيراته؟!للتذكير، نجح للمرة الثانية هذا التيّار الإقليمي في خرق حدود دولة إسرائيل ولتأكيد «عملية الوعد الصادق» وهي الإسم الرمزي الذي أطلقه أحد أنصار هذا التيّار الإقليمي على عملية عسكرية نفذتها عناصر مقاتلة منه على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، ومن أبرز أسبابها كانت «العملية تُعد إيفاء بوعد قطعته المقاومة الإسلامية على نفسها لتحرير أسرى ومعتقلين في سجون إسرائيل، بحيث يأسر جنود إسرائيليون ويساومون بأسرى لبنانيين كان من أبرزهم سمير القنطار أحد أقدم الأسرى في سجون إسرائيل الذي وقع أسيراً في العام 1979». ومن نتيجة هذه العملية أنه في 16 تمّوز 2008، تمّت صفقة لتبادل خمسة أسرى منهم القنطار وفلسطينيون مع تسليم «حزب الله» رفات الجنديين الإسرائيليين للقوات الإسرائيلية على الحدود الدولية، وبذلك يكون لبنان أول بلد أغلق ملف الأسرى. هذا هو المخرج لهذا الخرق في حينه، علمًا أنّ المعلومات الديبلوماسية كانت تشير إلى مجموعة محادثات حول موضوع تبادل الأسرى وكانت المفاوضات تقدّمت في حينه إلى أن حصل ما حصل.
حاليًا حركة «حماس» وبمساعدة التيّار الإقليمي تجتاح خطًا «دفاعيًا إسرائيليًا» بطول نحو 65 كلم يُطوّق منطقة قطاع غزّة بأحدث الوسائل الإلكترونية، وقد كلّف هذه الدولة مبالغ باهظة وعند أول تجربة سقط قناع هذا الحائط برمزيته وأهدافه المعلنة، وتخطّت حركة «حماس» الحدود واختطفت جنوداً ومواطنين إسرائيليين واقتادتهم الى منطقة غزّة. تلك الحادثة الثانية برمزيتها تؤكد كثيراً من العوامل، وهي السابقة الثانية من نوعها حيث استطاعت القوى المدعومة من التيّار الإقليمي تخطّي الحدود بأمر عمليات مُحدد الأهداف والرسائل.للحرب رسائل عدة، وهي أن يُرسل التيّار الإقليمي رسائل من هذا النوع، فهذا يعني أنّ هناك تطوّراً عسكرياً لافتاً ومُحكماً في علم الحياة العسكرية والجيواستراتيجية، ولئن تذرّع هذا التيّار بـ»الدفاع عن حقوق فلسطين» وهذا الأمر ليس بجديد بل يستحق كل تحليل منطقي وعملاني وموضوعي. إنّ تخطي الحدود الإسرائيلية، والذي يحمل عنوانًا بارزًا مُشار إليه، سيوفّر مرونة وقدرة بحرية أكبر لهذا التيّار في المنطقة. وفي التحليل الموضوعي الحيادي إنّ هذا التيّار الإقليمي بلغ مستوى من القوة بحيث لا أحد يقدر على تنفيذ أي وعود أو التزامات دونما المرور بمصالحه وأهدافه، وعلى ما يبدو أنّ هذا التيّار استطاع تغيير قواعد الإشتباك ويسعى لتأدية دور على المستويين الإقليمي والدولي تحت عنوان «الدفاع عن حقوق فلسطين».
لَو عولِجت المبررات السياسية ـ الأمنية ـ الإنسانية تحت الشروط المعاصرة للتفكير المنطقي التي تجعل من الحرب أمرًا غير قابل للحصول، لِما كنّا وقعنا في هذه الحرب، فالحرب ليست عادلة وغير عادلة بنتائجها؟