نداء الوطن
مجيد مطر
الولايات المتحدة ماضية في دعم إسرائيل، وتحصين موقعها السياسي والعسكري في الحرب التي تشنها على غزة، بهدف استئصال حركة «حماس» وتغيير الشرق الأوسط بحسب ما صرّح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
الرئيس الأميركي جو بايدن لم يكتفِ بالمدديْن العسكري والسياسي، بل ذهب إلى حدود الدعم الإعلامي بتبنّيه الرواية الإسرائيلية المتعلقة بمجزرة مستشفى المعمداني التي راح ضحيتها المئات. فقد اعتبر أنّ الصاروخ الذي حاد عن مساره مسؤولة عنه «جماعة إرهابية» بحسب قوله، وهذا ما أكده أيضاً مجلس الأمن القومي الأميركي على لسان الناطقة باسمه آدريين واتسون «بأن إسرائيل لا تتحمل مسؤولية الانفجار في المستشفى في غزة».
يُستنتج من هذا التبني للرواية الإسرائيلية أنّ الإدارة الأميركية ترغب في الوضع الراهن بعدم السماح بفتح تحقيق دولي لتحديد المسؤوليات، كي لا تُحرج إسرائيل ويشتت جهدها العسكري علاوة على خسارتها التعاطف الدولي، وهو تعاطف يعطيها رخصة في استخدام العنف ضد الفلسطينيين من دون تمييز بين مدني وعسكري.
إرسال الولايات المتحدة حاملات الطائرات إلى الشرق، نقلة نوعية على «رقعة الشطرنج» التي تعبّر عن واقع الشرق الأوسط راهناً. يدرك الأميركيون أنّ دخول طرف ثالث لدعم حركة «حماس» يعني أنّ حرباً إقليميةً ستقع، واتساع الحرب ليس من مصلحة احد بمن فيهم إيران. وهذا الحضور الأميركي المباشر لا يهدف فقط إلى دعم إسرائيل وحمايتها، بل إلى ضبط الأوضاع على إيقاع المصالح الأميركية في المنطقة.
بعد أحداث الربيع العربي، كانت المنطقة العربية: أي سوريا واليمن وليبيا والعراق مسرحاً لأحداث أمنية خطيرة، شارك الجيش الأميركي هناك في العديد من المعارك العسكرية على نحو مباشر وغير مباشر، وقد هضم التمدد الإيراني، وتعايش مع الوجود العسكري الروسي المباشر، طالما أنّ «أمن إسرائيل» بمنأى عن أي تهديد وجودي، خصوصاً وأنّ التعاون الروسي ــ الإيراني في سوريا كان منصباً على حماية النظام السوري، الذي أمّن بدوره الهدوء على جبهة الجولان طيلة عقود خلت والوجود الروسي لم يمنع إسرائيل من القصف في الداخل السوري، في ظل تفهّم روسي واضح لمخاوف الإسرائيليين، المكتفي فقط بالإدانات اللفظية لتلك الغارات.
منذ أحداث 11 أيلول لم تبدِ الولايات المتحدة ارتياحاً إلى وضعها في الإقليم كما هي عليه الآن، وبإرسالها كلّ تلك المعدات العسكرية الضخمة أظهرت تفوقها السياسي والعسكري، وقد أعادت التأكيد على قيادتها للعالم الغربي بعدما اصطفت أوروبا قاطبة وراء دعمها لإسرائيل من دون أي تمايز يذكر. وبعدما يمّم الرئيس بايدن شطر إسرائيل، ها هم القادة الأوروبيون يتوافدون إليها لدعم حكومتها في حربها التي لم تجد صعوبة في اقناعهم بأنهم شركاء في حرب المدنية ضد البرابرة الجدد!
لقد جاءت عملية « طوفان الأقصى» الشجاعة وغير المسبوقة التي تنفذها قوى غير نظامية في ظل تطورات شديدة الأهمية في الداخل الإسرائيلي والأميركي. فالولايات المتحدة بحاجة لأحداث سياسية تستثمرها في هذا الاتجاه أو ذاك، لتبرر تدخلها، وقد جاءت تلك العملية لتعطي هذا الحافز أميركياً، خصوصاً وأنّ الإدارة الحالية هي امتداد طبيعي لوعود الحزب الديمقراطي التي أطلقها الرئيس الأسبق باراك أوباما، بالخروج من العراق وأفغانستان.
بيد أنّ الدعم الأميركي لإسرائيل لا يمكن اعتباره شيكاً على بياض، فالجوهر السياسي للموقف الأميركي له منطلقات تتعلق بالصورة الأشمل لما يجب أن يكون عليه الشرق الأوسط في قابل الأيام.
الدور الأميركي في هذه الأزمة يحقق مجموعة من الأهداف، فهو يعمل على عدم توسيع القتال إلى جبهات أخرى، ولا يتوافق مع الحكومة الإسرائيلية على تهجير الفلسطينيين، بخلاف ما يذهب اليه البعض، كي لا تزداد الأمور تعقيداً انطلاقاً من اهتمامها المطلق في انشاء الممر الاقتصادي بين أوروبا والهند مروراً بالخليج العربي، فضلاً عن استكمال مسار التطبيع الذي توقف إلى أجل غير مسمى، وهي أيضاً بحاجة لموقف عربي أساسي تحديداً خليجي، لم يعد بوسع أحدٍ أن يتجاهله.
باختصار إنّ الولايات المتحدة لا تزال القوة الأساسية في العالم، تتقدم حيث ترغب وتتراجع حيث تريد، وما زلنا بعيدين عن تحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب كما نأمل ونحلم... صدق الرئيس الراحل أنور السادات عندما قال: «ما تقولوش إسرائيل، قولوا أمريكا».
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا