عماد مرمل - الجمهورية
ليس هناك ما يؤشّر حتى الآن الى انّ الدوحة تقترب من ان تنجح في وساطتها بين المتنازعين على هوية رئيس الجمهورية، بعدما صادفت التعقيدات نفسها التي اختبرها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان.
حاول القطريون اختصار المسافة الى قصر بعبدا على طريقتهم و»التعويض» على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في مقابل انسحابه من السباق الرئاسي.
لكن العارفين يؤكدون ان فرنجية رفض العرض القطري «على كعبه»، وبلا مناقشة، انطلاقا من قاعدة انه «ليس من النوع الذي يساوم على خياراته، وان ترشيحه خارج اي مقاصّة».
ووفق المعلومات، يبدو ان العرض ازعج كثيراً فرنجية الذي يُنقل عنه ان مثل هذه الأمور لا تمشي معه.
وخلافاً للضخ الاعلامي حول انهيار فرصه وارتفاع اسهم الخيار الثالث على حسابه، يكشف العارفون ان استراتيجية فرنجية - الثنائي أمل و»حزب الله» للمرحلة المقبلة، هي «الصمود ثم الصمود ثم الصمود في معركة الرئاسة، وبالتالي عدم التأثر بالضغوط السياسية والاعلامية التي تدفع في اتجاه تكريس انطباع بأن انتخاب فرنجية أصبح ميؤوساً منه ولا امل له».
حتى الآن، لم يبدر من فرنجية ما يمكن أن يؤشر إلى أنه في صدد الانسحاب، بل ان المتواصلين معه استنتجوا انه ليس ضعيفا وانه مصر على الاستمرار في ترشيحه اكثر من اي وقت مضى، «لأنّ الأمر لا يتصل بمزاج شخصي وإنما بمشروع متكامل وبجبهة متراصة من الحلفاء، عكستها كتلة الـ51 صوتا الصلبة التي اقترعت له في آخر جلسة نيابية، وبالتالي فهو لا يمكنه أن يخذل حلفاءه ويتفرد في اتخاذ موقف احادي الجانب وغير محسوب».
كذلك الحال بالنسبة إلى «الثنائي» الذي وكلما اشتدت معارضة بعض دول المجموعة الخماسية والقوى الداخلية لانتخاب فرنجية، كلما ازداد تمسكا به واقتناعا بصوابية قرار دعمه على المستوى الاستراتيجي البعيد من الاستغراق في التفاصيل المتحركة والمتقلبة.
من هنا، قرر فرنجية والثنائي اعتماد سياسة الصبر التي يجيدانها، في انتظار ان تتقاطع الظروف المحلية والخارجية التي من شأنها ان تحمل فرنجية الى القصر، وهو تَقاطُع يبدو صعب التحقق حاليا، الا ان حصوله مستقبلا ليس مستحيلا، وفق قناعة مؤيدي رئيس تيار المردة.
وأصحاب هذا الرأي يعتبرون ان الموقف السعودي الأميركي الذي لا يحبذ فرنجية راهنا يبقى قابلا للتبدل ربطا بما يمكن أن تؤول اليه علاقة الرياض بطهران ومفاوضات واشنطن معها، ولذا يجب ترقّب مسار التطورات في المنطقة لمعرفة الوجهة التي قد يأخذها الاستحقاق الرئاسي لاحقاً.
ولأن المنطقة تمر في مخاض تحولات لم تكتمل بعد، ولأن محاولات استهداف المقاومة عبر الخاصرة الرخوة للداخل لن تتوقف تبعاً لتقديرات قيادتها، فإن هناك من يعتبر ان «حزب الله» لا يمكنه أن يُفرّط بالمرشح الذي تتوافر فيه ضمانة الشخص بالدرجة الأولى ويستطيع ان يحقق التوازن الضروري والحيوي في السلطة التنفيذية، والا فإنّ إسقاط خيار فرنجية سيدفع الحزب إلى طلب ضمانات أكبر وأصعب.
ولعل حادثة الكحالة التي انطوَت على رمزيات خطرة من منظار الحزب، تشكل عيّنة مكثفة عن نوعية التحديات التي تواجهه، وتفسر سبب تمسكه باستراتيجيته في مقاربة الملف الرئاسي.
ثم إن الحزب يعلم أن كسره في المواجهة التي تدور على أبواب بعبدا سيشجع خصومه في الداخل والخارج على مزيد من «القضم» والسعي الى انتزاع مكتسبات اضافية.
إزاء كل هذه التعقيدات المترابطة، فإن جولات الموفدين الأجانب لا تعدو كونها في هذا الظرف حفلة استعراضات دبلوماسية لن تُفضي الى نتيجة قبَيل تبلور معالم الواقع الاقليمي الدولي الجديد الآخذ في التشكل.
أما بالنسبة إلى داعمي فرنجية، فهناك ثابتة وحيدة وسط المتغيرات وهي متانة ترشيحه في مقابل مرشحين منافسين يتبدلون تباعاً، الواحد تلو الآخر تبعاً للحاجة.