آلان سركيس - نداء الوطن
من يُراجِع تاريخ لبنان يتبيّن له أنّ الموقف السنّي العام و»الشعور القومي» عطّلا دور الدولة في التصدّي للإنفلاش الفلسطيني المسلّح. وساهمت الأحزاب اليسارية والقومية العربية في تعويم التعطيل. وبعد انتهاء الحرب ولحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رفَع سنّة لبنان شعار «لبنان أوّلاً». وعندها حصل الإنقلاب التاريخي.
ضاع المكوّن السنّي طوال فترة جمهورية ما بعد الإستقلال بين لبنان الكبير والشعور القومي العربي. وسقطت كل محاولات التوفيق بين تلك الخطوط. ولم ينجح ميثاق الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح في حماية الجمهورية الجديدة. ومع بدء عملية النزوح السوري أُعيدت إلى الأذهان مسألة اللجوء الفلسطيني. وذهب البعض بعيداً في التشبيه باعتبار أنّ هؤلاء النازحين سيشكّلون جيش السنّة الجديد.
الثابت حتى الآن أنّ الظرف السياسي والتفكير السنّي يغايران تماماً مرحلة اللجوء الفلسطيني، وأكثر المناطق التي تشكو النزوح الجديد هي المناطق السنّية. وتُعتبر عرسال والبقاع الشمالي وعكار والضنية وطرابلس وصيدا من أكثر المناطق التي يوجد فيها نازحون سوريون.
باتت أزمة النزوح السوري وطنية أكثر ممّا هي طائفية، وفي دار الفتوى تفكير في هذا الإتجاه فقط لا غير، ويعود هذا الأمر إلى انفجار الوضع الاقتصادي في البلاد وتضرُّر المجتمعات المضيفة للنازحين بعدما أخذ النازح مكان اللبناني في عدد كبير من الأشغال. وتعرف دار الفتوى خطورة هذا الأمر، ويعمل عدد من المشايخ على حلّ الإشكالات بين النازحين واللبنانيين، خصوصاً في الشمال، فالدار والمشايخ عاجزون عن تلبية أبسط مقوّمات صمود اللبناني بينما النازح السوري توسّع وهو يتحكّم في مناطق وجوده ويمدّه المجتمع الدولي بالدعم اللازم للصمود بينما يُترك المواطن اللبناني لقدره.
ويأتي موقف دار الفتوى في ما خصّ أزمة النزوح من منطلق وطني لا طائفي، فالقضية تُهدّد الكيان، وكل الأقاويل السابقة أنّ هؤلاء النازحين يشكّلون «جيش السنّة» ساقطة ولا أساس لها من الصحة، وكل ما فعله أهل السنّة، واللبنانيون عامة، هو تقديم المأوى للهاربين من الحرب. وبعدما هدأت الأحوال من الواجب إنهاء حال التهجير وعودة كل سوري إلى أرضه.
ينتشر السوريون في كل لبنان، لكنّ المخيّمات تتركّز في المناطق ذات الغالبية السنّية، ويبرز الخوف من حصول صدام بين النازحين وأهالي المنطقة، وهذا مرشّح للإرتفاع كلّما أصبح الوضع الإقتصادي أصعب. وانطلاقاً من هذا الخطر، يعمل المشايخ والقوى الأمنية على تبريد الأجواء ومنع الصدامات ومعالجتها فوراً. وثمة موقف سنّي عام مُغاير لما حصل عام 1975 يُطالب بإنهاء أزمة النزوح وإعادة النازحين إلى أرضهم وبلادهم، وبما أنّ الغطاء السنّي مؤمّن يبقى التحرّك الأكبر على عاتق الدولة اللبنانية، فالإجماع الوطني على إعادة النازحين لم يكن موجوداً سابقاً.
ليس هناك أي دور لدار الفتوى أو المشايخ في مسألة إعادة النازحين، فالمسألة أكبر من لبنان، لذلك على حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي لعب الدور الأكبر، وهو على علم بخطر النزوح، خصوصاً الموجة الجديدة. وقد زوّدته الأجهزة بالتقارير المطلوبة، ويبقى التحرّك هو الأساس في قضايا مصيرية كهذه.
والواضح غياب التجاوب العربي والغربي مع كل ما يطلبه لبنان، فالدول العربية تنتظر ترتيب الوضع السوري من أجل دعم عملية العودة وتقرير المستقبل السياسي لسوريا، فيما تُصرّ الدول الأوروبية على عدم جواز عودة النازحين في الوقت الحالي، وتطلب من لبنان عدم فتح أبواب الهجرة، وبالتالي تعمل هذه الدول على توطين السوريين في لبنان. تُشكّل عملية إنتخاب رئيس الجمهورية بوابة لحل المشكلات، وطالما هناك غياب لسلطة فعلية تبقى كل الأزمات عالقة، فكيف الحال بالنسبة إلى أزمة النزوح؟