النهار
لعله بدأ التوقيت الأسوأ اطلاقا بالنسبة الى “بقايا” سمعة الدولة اللبنانية وسلطاتها وأجهزتها الأمنية حصول اعتداء على مبنى السفارة الأميركية تحديدا في عوكر بعد ساعات قليلة فقط من احياء السفارة الذكرى الـ 39 لتفجير إرهابي دموي استهدف السفارة بمكانها إياه في عوكر في 20 أيلول 1984 موديا بأكثر من 24 قتيلا معظمهم لبنانيون بعد سنة فقط من التفجير الأكبر الذي دمر السفارة الأميركية في عين المريسة. اخطر في دلالات اطلاق الرصاص في ساعة متقدمة من ليل الأربعاء الماضي على مدخل السفارة الأميركية، بعدما كانت السفيرة دوروثي شيا وطاقم السفارة احيا ذكرى تفجير 1984 انه استحضر زمن الرسائل الإرهابية والأمنية من دون قدرة طبعا لدى السلطة على الحد فورا من الاجتهادات والتقديرات والتكهنات التي أثيرت وتثار حيال الجهات المشبوهة التي قد تقف وراء الاعتداء وأهدافه ولا احتمالات استدراجه لزمن الرسائل الإرهابية بفعل عدم التمكن من القبض عن الفاعل ومن يقف وراءه. ذلك ان ما يثير احتمال ان يكون الاعتداء نذير هذا السيناريو، أي سيناريو العودة الى الرسائل الإرهابية، ان الحادث يصعب حصره بهدف محدد بل يمكن ان يكون “حمال أوجه” في اتجاهات عديدة سواء ما يتصل منها بعداء “تقليدي” للاميركيين، وهو يفتح الباب على قائمة طويلة من الجهات المشبوهة داخليا وإقليميا، سواء ما يتصل بخصوم واعداء الولايات المتحدة في لبنان وسوريا والجوار ، وسواء ما يمكن ان يكون محصورا بالمناسبة التي تزامنت مع الاعتداء، كأن ثمة من يهول ويرسل الرسالة بان تكرار التفجير امر وارد وممكن. ولذا سيأخذ الحادث مدى واسعا في الاجتهادات حتى ان البعض ذهب الى تبسيط يتصل بربطه بالمسار الرئاسي عبر اخفاق اجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك قبل يومين وتحميل واشنطن تبعة الإخفاق !
اذن وفي حادث لافت مضمونا وتوقيتا ومكانا وفي رسالة ساخنة سافرة الى واشنطن، اعلن جيك نيلسون المتحدث باسم السفارة الأميركية في لبنان، إن أعيرة نارية أطلقت على السفارة، ليل الأربعاء من دون وقوع إصابات. وأوضح انه تم الإبلاغ عن إطلاق نار من أسلحة خفيفة بالقرب من مدخل السفارة الأميركية مؤكدا انه “لم تقع إصابات، ومنشأتنا آمنة. ونحن على اتصال وثيق مع سلطات إنفاذ القانون في البلد المضيف”. وافادت المعلومات أن مسلحًا برشاش كلاشينكوف أطلق ١٥ طلقة باتجاه المدخل الرئيسي للسفارة وانه وصل إلى المكان الذي أطلق منه النار على متن دراجة نارية ونفذ عمليته وغادر كما وصل، وأظهرت كاميرات المراقبة أن المسلح كان يرتدي لباسا اسود كما تم العثور عند مدخل مبنى مواجه لمكان إطلاق النار على ممشطين فارغين يعتقد أنهما للتمويه. ولفتت معطيات اخرى الى أنه تم إطلاق الرصاص من سلاح كلاشينكوف على مدخل السفارة من سيارة ذات زجاج داكن من دون لوحات .
وبعد ظهر امس اعلن ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تابع حادث اطلاق النار على مدخل السفارة الاميركية، فأجرى سلسلة اتصالات بقادة الاجهزة الامنية للاطلاع على المعطيات المتوافرة عن الحادث وطلب التشدد في ملاحقة القضية وجلاء ملابساتها. وشدد على “أن حماية البعثات الديبلوماسية في لبنان أمر لا تهاون فيه على الاطلاق، ومن غير المسموح لاي كان بالعودة الى انماط قديمة في توجيه الرسائل السياسية التي عانى اللبنانيون الكثير بسببها”. وقال” ان الاجهزة الامنية مستنفرة لجلاء ملابسات هذا الحادث المدان وتوقيف الفاعلين”.
وبدوره ندد وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، من نيويورك، خلال اتصال هاتفي بالسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، بالاعتداء الذي تعرضت له السفارة الأميركية .واذ أكد أنه “من الضرورة محاسبة الفاعلين وإنزال أشد العقوبات بهم”، شدد على “التزام لبنان بتأمين الحماية اللازمة للمقرات الدبلوماسية الأجنبية بما يتوافق مع إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية”.
وبدوره عبّر وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي في اتصال هاتفي اجراه مع السفيرة شيا عن “إدانته بشدّة للاعتداء الذي تعرضت له السفارة الاميركية، مشيراً الى ان الأجهزة الأمنية تقوم بالتحقيقات الدقيقة لكشف ملابسات ما حصل”. وأكد للسفيرة شيا ان “الأجهزة الأمنية تعمل على توقيف الفاعلين ومحاسبتهم، لافتاً الى أهمية الروابط التي تجمع لبنان بالولايات المتحدة الاميركية الداعمة دائماً للشرعية المتمثلة بالقوى الأمنية والجيش اللبناني.
المراوحة الرئاسية
في غضون ذلك، اتسم المشهد الداخلي بالعودة الى المراوحة في انتظار ما يمكن ان تتضح عنه التحركات التي ستعقب اخفاق المجموعة الخماسية وما تكشف عن امهال دولها ولا سيما منها الولايات المتحدة لفرنسا حتى نهاية الشهر الحالي واطلاق يد قطر في تحرك بديل. وفهم ان الموفد القطري جاسم بن فهد آل ثاني بدأ بتحضير الأرضية اللبنانية لزيارة سيقوم بها وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي في تشرين الأول المقبل لاستكمال المسعى القطري .
وكان الرئيس ميقاتي لفت في كلمته خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة الى ان “لبنان يُكابِد اليوم في مواجهة أزمات عديدة ومتداخلة، تُرخي بثقلها على الشعب اللبناني الذي يُعاني يومياً من فقدان المقوّمات الاساسية المعنوية والمادية التي تُمكّنه من الصمود…”. وشدد على “أن أُولى التحدّيات تكمُن في شغور رئاسة الجمهورية وتَعَذُّر انتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد، وما يستتبع ذلك من عدم استقرار مؤسساتي وسياسي، ومِن تفاقُمٍ للأزمة الاقتصادية والمالية، وتَعَثُّر في انطلاق خِطط الإصلاح والتعافي الاقتصادي والمالي الذي يُعوِّل عليه اللبنانيون لإنقاذ البلد من الأوضاع الصعبة”. وأشار إلى أن “اثني عشر عاماً مرّت على بدء الأزمة السورية، وما زال لبنان يرزح تحت عبء موجات متتالية من النزوح طالت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية كافة مظاهر الحياة فيه، وباتت تُهدِّد وجوده في الصميم، ورغم إعلائنا الصوت في كافة المنتديات الدولية، وفي هذا المحفل بالذات، ما زال تَجاوب المجتمع الدولي مع نتائج هذه المأساة الإنسانية، وتداعياتها علينا، بالغ الخجل وقاصراً عن معالجتها بشكلٍ فعّال ومستدام”. وحذّر مُجدداً من انعكاسات النزوح السلبية التي تُعمّق أزمات لبنان، الذي لن يبقَى في عين العاصفة وحده. كما أُكرّر الدعوة لوضع خارطة طريق بالتعاون مع كل المعنيين من المجتمع الدولي، لإيجاد الحلول المستدامة لأزمة النزوح السوري، قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكلٍ يخرج عن السيطرة.
وفيما لم يكشف عن اللقاءات التي اجراها الموفد القطري الذي وصل الى لبنان مساء الأربعاء وباشر سلسلة لقاءات واتصالات بعيدا من الاضواء، تمهيدا لأخرى علنية في قابل الايام وربما بعد التثبت من انتهاء مسعى المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، اكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا أن “الفراغ الرئاسي والمأزق السياسي والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمالية الممتدة كلها عوامل تقوض قدرة مؤسسات الدولة على القيام بوظائفها، مما يعمق الفقر وعدم المساواة ويعرض استقرار البلاد للخطر”. وقالت “إن تزايد حدة الاستقطاب السياسي وتعنت المواقف يهددان التماسك الاجتماعي في لبنان والشعور بالانتماء بين أبناء شعبه. لذا، ينبغي على القادة السياسيين العمل من أجل المصلحة الوطنية والبحث عن حلول واقعية وعملية من أجل مستقبل أفضل لبلادهم.” وأكدت في بيان في مناسبة اليوم الدولي للسلام على أهمية الالتزام بالدستور اللبناني واتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان وبالأخص القرار 1701 ” وقالت “في إطار القرار 1701، أتاحت جهود اليونيفيل بالتنسيق مع الأطراف المعنية تحقيق الهدوء والأمن على طول الخط الأزرق منذ العام 2006، الا أن إرساء الاستقرار والسلام الدائم في المنطقة يتطلب من الطرفين تنفيذ التزاماتهما العالقة التي يوجبها القرار 1701”.
واجتمع السفير السعودي في لبنان وليد بخاري مع سفير فرنسا الجديد هيرفيه ماغرو وتطرق اللقاء إلى تطورات الأوضاع والمستجدات على الساحة اللبنانية لاسيما الاستحقاق الرئاسي “وضرورة إنجازه بأسرع وقت ليستطيع لبنان الخروج من أزماته المختلفه إضافة إلى استعراض عدد من القضايا المختلفة ذات الاهتمام المشترك”.