من "أسد الصحراء" إلى النيجر.. هل تبحث أميركا عن إطاحة فرنسا سراً عن العرش الافريقي؟
من "أسد الصحراء" إلى النيجر.. هل تبحث أميركا عن إطاحة فرنسا سراً عن العرش الافريقي؟

خاص - Wednesday, September 6, 2023 11:12:00 AM

 مضى حوالي الشهر أو أكثر بقليل على الانقلاب في النيجر، ولم يعد الرئيس محمد بازوم المعزول إلى السلطة، ولم يتراجع الانقلابيون، ولم تتدخل فرنسا عسكرياً حتى الساعة لإعادة ما سمّته "الحياة الدستورية" إلى مجراها عبر إعادة بازوم إلى الحكم.

كما أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "إيكواس" المؤلفة من 15 دولة لم تتدخل بدورها عسكرياً، على الرغم من إعلان استعداد عدد من دولها القيام بالتحضيرات العسكرية اللازمة.

حتى اللحظة تبدو باريس وحيدة في عين العاصفة، والمستهدف الأول في الانقلابات في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو ومؤخراً في الغابون، حيث التظاهرات الشعبية تتمحور حول مهاجمة فرنسا وسياستها.

لذا يمكن القول إن هامش المناورة أمام باريس ضيّق للغاية، فكل يوم يمر، يتوطّد فيه حكم الانقلابيين وتتراجع إمكانية إعادة بازوم إلى السلطة. وبذلك تقترب فرنسا يوماً بعد يوم من تحوّل أبشع كوابيسها إلى حقيقة، وهذا الكابوس هو الخروج ليس من النيجر وحسب، إنما من افريقيا عموماً.

الصورة قاتمة بالنسبة للدبلوماسية الفرنسية، إلا أن هناك عاملين يمكن أن يسعفا باريس ولو جزئياً، الأول أن هوامش واشنطن لا تزال واسعة لعقد صفقة مع الانقلابيين كونها لم تدخل في صدام مباشر معهم، والثاني يتمثل بمقتل قائد لواء "فاغنر" يفغيني بريغوجين، الذي قد يسبب ارتباكا موقتا في التموضع الروسي بمنطقة الساحل وغرب إفريقيا، مما قد يؤدي بدوره إلى إضعاف موقف مالي وبوركينا فاسو، وتظهر بذلك شقوق من المحتمل أن تتسلل عبرها الولايات المتحدة لتجميد الوضع بانتظار أيّام أفضل.

لا تملك إدارة الرئيس الفرنسي ماكرون في المرحلة الراهنة ترف ارتكاب الأخطاء، والتدخل العسكري المباشر دون مؤازرة جدّية من دول مجموعة "إيكواس" إلى جانب طرف محلي وازن في النيجر، خطوة محفوفة بالمخاطر، كما أن الرأي العام الفرنسي قد لا يكون مؤيداً لقرار مشابه يتخذه ماكرون، المثقل بقنبلة المشاكل الداخلية الموقوتة.

أين الولايات المتحدّة من كل ما يجري على الساحة الافريقية؟

انطلقت في الثاني من تموز الفائت، عملية "الأسد الأفريقي African Lion"، وجرت العملية هذه السنة في سبع مناطق في المغرب تحت إشراف الولايات المتحدة. و"الأسد الأفريقي" هي مناورات عسكرية برّية مشتركة للدول الأفريقية منذ عام 2004، وترمي إلى تدريب الجيوش الأفريقية على تحديات الحروب المعاصرة. وفي هذه النسخة، يشارك في التدريبات حوالي 6000 جندي من أربعة عشر دولة مختلفة.

لقد كانت المغرب ومعها العديد من الدول الإفريقية، حليفة للولايات المتحدة لسنوات عديدة، ويعود الاهتمام الأميركي بهذا الفضاء الجغرافي على ساحل المتوسط، نظرًا لموقعه القريب من أوروبا والبحر المتوسط، وإطلالته على المحيط الأطلسي.

ولكن ما علاقة عملية "الأسد الأفريقي" بالنيجر؟

منذ سبعينيات القرن المنصرم، كان التعاون العسكري بين الولايات المتّحدة والمغرب قائما، وأصبحت أميركا أحد المصادر الرئيسية للإمدادات العسكرية للمغرب بعد فرنسا. وتجري هذه التدريبات العسكرية أيضًا في سياق التوترات الجيوسياسية بين المغرب والصحراء الغربية، التي تعارض المملكة المغربية منذ عقود بشأن السيادة على مناطق معينة.

كل ما ورد آنفاً، يشير إلى وجود أرضية صلبة لأميركا في افريقيا، يمكن أن تنطلق منها باتجاه دول أخرى، كالنيجر مثلاً التي ظهرت فيها فجوات ستحاول التوغّل من خلالها لمحاولة ملء الفراغ الذي خلّفته فرنسا، بغية تقليص النفوذ الروسي "المرتبك" إلى حدٍ ما حالياً في دول الساحل إثر غياب بريغوجين. فضلاً عن الوقوف سداً منيعاً أمام الطموح الصيني المتنامي داخل القارّة السمراء، خصوصاً بعد إعلان الصين عن عزمها الدخول على خط التهدئة والمفاوضات لإعادة إرساء الهدوء في النيجر من جهة، ومساندة حليفتها روسيا من جهة أخرى.

ففي النظر إلى التطورات المتسارعة والأحداث في أوكرانيا وأوروبا والشرق الأوسط في السنوات الأربعة الأخيرة، إن تبعية "الغرب" أي الاتحاد الأوروبي وحلفائه لـ "العم سام"، لم تكلّفه سوى أبهظ الأثمان، ولعلّ الحرب الروسية – الأوكرانية خير دليل على ذلك.

فما الذي يضمن توقف الطموح الأميركي عند المغرب؟ ماذا لو دخلت جدياً على المشهد الافريقي بصورة مباشرة بهدف التعويض عن "الصفعات" المتتالية في بحر الصين الجنوبي، وأوكرانيا، والشرق الأوسط بعد الانسحاب من أفغانستان والعراق و"الانتكاسة" في سوريا، وخطر انزلاق السعودية من تحت العباءة الأميركية، الحليف الأول لها في الخليج العربي بعد الاتفاق مع إيران؟   

هذا الطموح هو المأزق الذي تقف أمامه فرنسا في هذه المرحلة العصيبة، حيث تشهد احتمال انهيار إمبراطوريتها في مرحلة ما بعد الاستعمار في غرب إفريقيا، والمهدّدة بالجوع الأميركي لتسجيل نقطة في مرمى خصومها على صعيد اللعبة الجيوسياسية، بعدما فاض مرماها وحلفائها الأوروبيين من النقاط التي سجلها الروس والصينيون في دول ومناطق تُعَد معقلا تاريخيا وتقليديا لبعض القوى الدولية كما يحصل في افريقيا اليوم.

برأيكم، هل تفعلها الولايات المتحدة، وتدخل خط الصراع في النيجر مباشرة؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني