دوللي بشعلاني - الديار
"نُخرجهم من الباب، يدخلون من النافذة"... هذه هي حال لبنان مع النازحين السوريين وفق مصادر سياسية معنية. ففي الوقت الذي تمكّن فيه مدير عام الأمن العام السابق اللواء عبّاس ابراهيم بتوجيهات من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من إعادة نحو 270 ألف نازح سوري في وقت سابق، ويسعى لبنان اليوم الى إعادة جميع النازحين السوريين الذين يستضيفهم منذ العام 2011 الى بلادهم، ويتخطّى عددهم مليونين و200 ألف نسمة من بوّابة الحدود الشرعية مع سوريا، يُفاجأ منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، بظاهرة نزوح سوري جديد من المعابر غير الشرعية في الشمال والبقاع، بشكل مشبوه وملتبس يطرح علامات استفهام كثيرة.
ويبدو واضحاً أنّ التحرّك الرسمي اللبناني ضعيف جدّاً أمام خطر من هذا النوع، مقارنة بأعداد النازحين السوريين الجدد الذين يدخلون يومياً الى لبنان عن طريق التهريب سيراً على الأقدام، ومن دون حقائب وأمتعة. يسيرون خلف بعضهم بعضا، وكأنّهم في تدريب عسكري، أو أنّهم "مدفوعون" للقيام بهذا التسلّل، وهم يدفعون بالتالي للمهرّبين لكي يصبحوا على الأراضي اللبنانية.
واللافت أنّ جميعهم من الفئة الشابة ومن الذكور، ويصل عددهم الى نحو ألف نازح في اليوم الواحد، ما يُثير الريبة. فلا عائلات ولا أطفال تنزح من المناطق السورية هذه المرّة من المعابر غير الشرعية باتجاه الأراضي اللبنانية، إنّما شبّان لا تُعرف الأهداف الحقيقية أمام دخولهم غير الشرعي الى لبنان، فيما الدولة شبه غائبة، رغم علمها بأسماء المهرّبين وبنشاطهم المستمر عبر المعابر غير الشرعية... وقد اكتفت بعقد إجتماع يتيم لحكومة تصريف الاعمال بعد ثلاثة أسابيع من بدء موجة النزوح الجديد هذه، بحثت خلاله المسألة من دون التوصّل الى حلّ جذري لها، بدلاً من صبّ الجهود على سلسلة إجراءات واجبة وملحّة، للتصدّي لمحاولة "التوطين المقنّعة" للسوريين في لبنان، والتي باتت مكشوفة، وأظهرتها "الفيديوهات" المنتشرة عن الطريقة غير الشرعية لدخول النازحين السوريين الى البلاد.
ولكن لا يُمكن نكران أنّ حكومة تصريف الاعمال التي وجدت في موجة النزوح هذه ظاهرة خطرة، على ما تقول مصادر سياسية عليمة، تسعى الى إيجاد آلية لردع ما يحصل بطريقة مدروسة، من خلال مراقبة الحدود والتنسيق مع الهيئات المسؤولة في سوريا، والتعميم على مراكز الجيش والمخابرات والأمن العام، ليصار الى التنسيق مع القائمقامين والبلديات لتحمّل مسؤولية أي شخص يستضيف أحداً من النازحين غير الشرعيين. كما قامت بتكليف المدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري الإتصال بالسلطات السورية على أعلى مستوى، لحلّ هذا الأمر. وتقوم الوزارات المعنية حالياً بدراسة فرض عقوبات على المتسلّلين والمهرّبين لهم. غير أنّ هذه الإجراءات غير كافية، لأنّها لا تردع عدد كبير من المتسلّلين الذين يُرحّلون من هنا، ليعودوا من هناك.
وإذ يستمرّ النزوح، بحسب شهود عيان، طمأن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم أنّ وحدات الجيش تقوم بجهد كبير لمواجهة هذه الظاهرة عبر الحدود البريّة الى لبنان، وأنّ قوات الجيش تمكّنت خلال الأسابيع الأخيرة من منع دخول المئات من السوريين إلى الأراضي اللبنانية من المعابر غير الشرعية.
وكان الجيش قد أعلن، الأسبوع الفائت، عن إحباط محاولة تسلّل نحو 850 سورياً بطريقة "غير قانونية" عبر الحدود خلال أسبوع، في الوقت الذي لم يكن يتعدّى العدد الخمسين. غير أنّ المعلومات تحدّثت عن عدم كفاية العناصر لتغطية جميع المعابر غير الشرعية، ما يجعل الجيش يواجه صعوبات لإحباط عمليات تهريب البشر ، سيما مع كثرة عدد المعابر غير الشرعية، وبسبب طول الحدود الممتدة على مسافة نحو 375 كلم2، فضلاً عن طبيعة المناطق الحدودية الجبلية. كما أنّ البلديات غير قادرة لا على ردع النازحين ولا الذين يستضيفونهم، إذ تحتاج الى ميزانية خاصّة بمثل هذه المهمّة.
وأشارت المصادر نفسها الى أنّ الأسباب لتدفّق النازحين الجديد، يعزوها البعض الى الأزمة الاقتصادية التي تضرب سوريا، والبعض الآخر لاستخدام لبنان "كبلد عبور"، إذ انّ الواصلين يتفقون مع السماسرة والمهرّبين برّاً وبحراً للانتقال عبر المراكب غير الشرعية الى بلد أوروبي. ولكن الخشية الفعلية، بحسب رأي المصادر، هي من أمرين مهمّين وخطرين:
- الأول: أن يكون دخول الشباب السوريين خلسة الى لبنان، ودفعهم الأموال لقطع المعابر غير الشرعية للوصول الى الداخل وتوزّعهم في مختلف المناطق اللبنانية، لا يهدف الى ركوب البحر واللجوء الى بلد أوروبي، إنّما للقيام بعملية رصد ما، وجمع المعلومات للتحضير لعمليات إرهابية، أو أمنية أو أي شيء آخر يجري التخطيط له.
- الثاني: أن يكون عدد كبير من هؤلاء النازحين الجدد من المهاجرين الى الدول الأوروبية، التي قامت هذه الأخيرة بترحيلهم الى بلادهم، وهم يُغادرون منها الى لبنان بشكل مباشر بعد ترحيلهم للبقاء فيه، على أمل أن يجري توطينهم أي منحهم الجنسية اللبنانية، على ما تعدهم الدول الأوروبية.
ولا بدّ هنا من التذكير بقرار البرلمان الأوروبي الأخير، الذي تضمّن في طيّاته، مخطّطاً واضحاً عن توطين النازحين السوريين في لبنان، من خلال دمجهم في المجتمع اللبناني، فضلاً عن استيعاب لبنان للأعداد التي قرّرت ترحيلهم أو إعادتهم الى سوريا. فالدول الأوروبية لم تعد تريد استضافة المزيد من النازحين السوريين، على ما أعلنت، إنّما التخفيف من أعدادهم في بلدانها، ولهذا فالمعارضون للنظام لا يمكنهم العودة، ويفضّلون العبور من الحدود السورية عبر المعابر غير الشرعية للاستقرار في لبنان، والإستفادة من مساعدات الأمم المتحدة لهم كنازحين جدد بحجّة صعوبة الوضع الاقتصادي في بلادهم.
ومن هنا، تقول المصادر عينها بأنّه على الأجهزة الأمنية معرفة من أين يأتي هؤلاء الشباب النازحين قبل وصولهم الى بعض المناطق السورية، ومعرفة الهدف الأساسي الكامن وراء نزوحهم الى لبنان. علماً بأنّ القانون اللبناني يُجيز توقيف كلّ من يُقيم على الأراضي اللبنانية من دون إقامة، وإن كان لا ينصّ على سجن من يدخل خلسة الى البلاد.
وتقول معلومات عسكرية، بأنّ أكثر من عشرة آلاف سوري حاولوا اجتياز الحدود تقريباً خلال شهر آب الفائت، أوقف الجيش نحو 7 آلاف منهم. غير أنّ ترحيل بعض الاشخاص الذين يتمّ توقيفهم يُقابله دخول المئات، لا بل الآلاف، عبر الشريط الحدودي الشمالي بشكل مستمر، ما يُشكّل مشلكة فعلية خطرة لا بد من حلّها بشكل جذري. فهل تتخذ حكومة تصريف الاعمال قراراً حاسماً وصارماً يُنهي ظاهرة النزوح الجديد، قبل أن يتحوّل المتسلّلون بعد أشهر قليلة الى قنبلة موقوتة لا أحد يعلم متى وكيف وأين تنفجر؟!