الياس المر- خبير العلاقات الدولية
هي القمة الخامسة عشر لمجموعة بريكس منذ تأسيسها عام ٢٠٠٩، التي ضمت الى الأمس خمس دول فقط، البرازيل الصين روسيا الهند وجنوب افريقيا (منذ العام ٢٠١١)،
قمة تاريخية فعلا، بسبب تهافت الدول غير المسبوق للانضمام الى هذه المنصة، التي تعتبر أولى أهدافها، كسر هيمنة الدولار على الدول والشعوب والحكومات.
أكثر من عشرين دولة قدمت رسميا طلب الانضمام الى المجموعة وأكثر من أربعين أخرى مهتمة، ولكن سرعة قبول هذه الدول بهذا العدد الضخم، يطرح عدة تحديات واشكاليات مفصلية، تحاكي نطام المجموعة وادارتها وقواعد لعبتها وسيطرة الدول المؤسسة عليها، ومستقبل توازنات القوى داخلها، أسئلة مفصلية أدت الى نقاشات عميقة واختلافات في وجهات النظر، لمدة تجاوزت الأحد عشر ساعة في احدى جلسات القمة، أفضت لاختيار ٦ دول بمنتهى التشعب والغرابة، حيث أدى ذلك الى استغراب وتساؤل كبرى الصحف والمحللين العالميين منهم "النيويورك تايمز" على سبيل المثال.
من هم الدول الأعضاء الجدد؟
ايران، السعودية، الامارات، مصر أثيوبيا والأرجنتين.
عضوية كاملة تدخل حيز التنفيذ ابتداء من الأول من يناير ٢٠٢٤
بانضمام ايران أصبحت البريكس تضم دولتين تقعان تحت وطأة العقوبات بعد روسيا، علما أن ايران تحوز على ثاني أكبر احتياطي عاز في العالم بعد روسيا وهذا رصيد كبير لمحفظة البريكس الاقتصادية على الساحة العالمية، ولكن وجود ايران يشكل خطرا حقيقيا على المجموعة ان لناحية الاحتكاك العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية وخصوصا في الخليج الفارسي، وان لناحية وضع المنطومة برمتها تحت مجهر العقوبات بالمفهوم الأميركي القديم أو التقليدي،
أما بالنسبة لايران عملية الانضمام الى البريكس شأن يرتقي الى مستوى الأمن القومي وهذا ما يفسر حضور رئيس الجمهورية شخصيًا القمة نظرًا لأهميتها التاريخية ونظرًا لكون انضمام ايران يشكل بالنسبة لها المنفذ الجدي الوحيد، للتخلص من العقوبات الأميركية، دون التوقيع أو العودة الى الاتفاق النووي، وهذا ما يفسر صلابة ايران، في المفاوضات سابقًا، ورهانها على استبدال الاتفاق مع أميركا، بالدخول الى منظومة البريكس، وهذا ما يوضح أبعاد وعمق الخطوات الايرانية، التي سبقت اعلان الانضمام، وأبرزها المصالحة مع السعودية، بالرعاية الصينية، وكذلك مع مصر، لتصبح اليوم منظومة البريكس برمتها، الضامن للسلام والاستقرار، لاتفاقات المنطقة، وليست الصين بمفردها أو أي دولة أخرى.
الامارات، التي بدورها تزيد بانضمامها الشرخ مع الغرب، حيث عمدت في الفترة الأخير على توجيه رسائلة مقلقة للولايات المتحدة، كبيعها الهند مليون برميل نفط بالعملة المحلية وليس بالدولار، وكذلك فعلت بصفقة الذهب أيضا، والغاز مع الصين، أضف الى أن الامارات والصين تحضران لمناورةٍ عسكريةٍ جوية، ناهيك عن صفقات الأسلحة بالمليارات بين البلدين،
السعودية، هي الدولة التي ستقلب موازين البريكس، البترودولار العنوان الذي قام عليه نفوذ الدولار في القرن المضي وبدايات القرن الحالي، أصبح مهددا بانضمام السعودية، الى منصة اقتصادية ومنظومة عالمية جديدة، بهذا الحجم، لا تدور في فلك الغرب وأمريكا تحديدا،
ولكن أين المفاجأة؟
تكمن بموقف السعودية المتردد الذي عبر عنه وزير الخارجية، بقوله سندرس موضوع الانضمام ونجيب عليه، علما أنها هي التي قدمت طلب الانضمام، ولكن ما هو سبب التردد؟
الجواب هو: الانتخابات الرئاسية الأميركية،
السعودية ستنتظر نتائج الانتخابات الأميركية، اذا عاد بايدن ستنضم حتما الى المنظومة، واذا فاز ترامب أو أحد الجمهوريين من فريقه، ستراجع خواطها، على ضوء تطور علاقتها بالادارة الأميركية، التي توصف بالسيئة حاليا، وهي تراهن على تغيرات مستقبلبية داخل الادارة الأميركية لتعديل موقفها، ضمن هامش تحرك، لا يتخطى تحالفاتها المستجدة والعميقة مع كل من روسيا والصين، ولكن للسعودية تحديدا خصوصية، تمنحها هامش من التمايز، شهدناه أيضا في مسار التطبيع الابراهيمي.
مصر، تمر بواحدة من أخطر أزماتها الاقتصادية، علما أن بعض المصادر الرسمية تؤكد دعوة البريكس لمصر سابقاً، زمن الرئيس مبارك للانضمام اليها، كدولة افريقية وحيدة قبل جنوب افريقيا، رفض يومها مبارك، لاعتبارات سياسية لها علاقة بارتباطاته ومخاوفه من الغرب، ومن العقوبات، ولم تكن يومها المنظومة، الحديثة التكوين، بهذا النفوذ والقوة، ولم تكن مصر، تعاني ما تعانيه اليوم، من شح في العملات الأجنبية، وانهيار للعملة المحلية، ومن أزمة استيراد وسداد،
مصر والبريكس
تستورد مصر من البريكس بخمسة وعشرون مليار دولار سنويا، وتصدر لها بأرعة، بفارق قرابة العشرين مليار، اذا استطاعت أن تحول نصف هذا المبلغ الى العملات المحلية بدل الدولار، تكون سلفا، قد حققت المكسب من انضمامها، أضف الى ذلك ديون مصر لدول البريكس.
أما على الصعيد السياسي ستستفيد مصر من تحسين موقعها بالنسبة للغرب، وربما سيسعى الأخير، لاعادة احتوائها، وذلك عبر اعادة ضخ المعونة الأميركية، التي باتت نادرة في السنوات الماضية، وأدت الى الاسهام بشكل كبير، في تردي الأوضاع الاقتصادية، إذًا لانضمام مصر منافعة جمة، ليست اقتصادية فقط بل سياسية أيضا.
من معالم قوة البريكس أنها تتجه نحو التنوع، من خلال مكانة الدول الموجودة فيها، أو المنضمة حديثا، مثل الهند والسعودية، مما يجعلها منظمة منفتحة ومتنوعة، وليست اسطفافاً سياسياً موجهاً، من لون واحد، يسهل التصويب عليه وضربه،
تمثل البريكس اليوم، خمسين في المئة من سكان العالم، وستة وثلاثون بالمئة من الناتج العالمي، أي تخطت بذلك الناتج القومي لمجموعة السبع G7، ومن هنا يبدأ الحديث عن جدية المنظمة في التخلص من هيمنة الدولار، وليس من الدولار نفسه!!
صحيح أن بريكس حتى اليوم، لم تعدو كونها محاولة، أو تجربة، ولم ترتقي الى مستوى المنظمة الرسمية أو الصلبة، الا أنها حتما المحاولة الجدية الأكيدة، التي تسير على سكة ارساء التعددية القطبية الاقتصادية، بالتوازي مع ارساء قواعد التعددية القطبية السياسية والعسكرية، واعادة توزيع موازين القوة على الساحة الدولية، بشكل جديد وتعددي،
فهل يكتب لها النجاح، أم تكون مرآة الانقسام العامودي، ووقود الحرب العالمية الثالثة، التي انطلقت أصلاً، في أكثر من منطقة ملتهبة من العالم؟