راكيل عتيّق - نداء الوطن
يلعب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي دوراً فاعلاً وأساسياً في الملف الرئاسي، في وقتٍ يستنكف المعنيون عن تأدية واجبهم الدستوري النيابي في هذا الاستحقاق. وبعدما سعى إلى توافق مسيحي – مسيحي ونقل الإرادة المسيحية إلى الفاتيكان وباريس، وبادر إلى جوجلة أسماء مع الأفرقاء المعنيين، وأرسل مطارنة موفدين إلى القوى السياسية للتحاور لإيجاد مساحة مشتركة، ومن بينها «الثنائي الشيعي»، وبالتوازي مع تعلية الصوت في كلّ عظة وخلال أي لقاء، يستمرّ الراعي في محاولة «اجتراح» حلول تخرج الانتخابات الرئاسية من المراوحة السلبية، وآخرها طرح عقد دورات انتخابية متتالية لانتخاب الرئيس العتيد من بين المرشحَين المطروحَين، فإذا تعذّر ذلك يُعقد حوار للوصول إلى مرشح ثالث.
الراعي توجّه إلى النواب، في عظته خلال أحد القداسات الأحد الفائت، وقال: «يوجد لديكم مرشّحان مارونيّان محترمان لرئاسة الجمهوريّة (رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية والوزير الأسبق جهاد أزعور)، فادخلوا المجلس النيابي وانتخبوا واحداً منهما رئيساً وفقاً للدستور الذي ينصّ في مقدّمته على أنّ «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية» (ج). فإذا لم يُنتخب أحد منهما بعد 3 دورات متتالية على الأقلّ، فاحتراماً لكرامتهما، عندئذ تتحاورون لإيجاد مرشح ثالث غيرهما».
إقتراح الراعي هذا يُعتبر «وسطياً» يُراعي كلا الفريقين: الفريق المؤيد لفرنجية والآخر المؤيد لأزعور. ويجترح من خلاله حلاً للانتخاب أولاً ومخرجاً للوصول إلى الحوار ثانياً. وبذلك يراعي الفريق الداعي إلى الحوار وتحديداً «الثنائي الشيعي» والفريق الرافض للحوار والداعي إلى انتخاب الرئيس عبر الآلية الدستورية الديموقراطية، وتحديداً الأفرقاء المسيحيين.
حتى الآن، لا يبدو أنّ طرح الراعي لاقى التجاوب المطلوب سريعاً. وآثر رئيس مجلس النواب نبيه بري عدم الرد على هذا الاقتراح، لكنه أكّد في المقابل أنّه «لا مناص الّا بالتوافق والحوار»، لافتاً إلى أنّ «التدويل مع كلّ الاحترام لغبطة البطريرك يحتاج إلى توافق داخلي، فالحوار الداخلي خيار يجب أن لا يسقط من حسابات الاطراف كافةً».
بحسب مصادر مطّلعة على موقف بري، من المُفترض أن يصل لودريان إلى لبنان الاثنين المقبل، مشيرةً إلى تواصل دائم بين بري والفرنسيين وتحديداً الرئيس إيمانويل ماكرون، و»لو لم يكن رئيس المجلس يملك معلومات ومعطيات عن حوار لما كان تحدّث عنه علناً، وهو يعلم ما قد لا يكون الآخرون على دراية به».
لكن على أي حوار يعوّل «الثنائي الشيعي» في حين أنّ أفرقاء مسيحيين ومعارضين يرفضونه حتى لو أتت الدعوة إلى عقده من باريس، خصوصاً أنّ «الثنائي» لم يتخلّ عن إسم فرنجية المرفوض من كتل رئيسية وغالبية المسيحيين و77 نائباً كما أظهرت جلسة الانتخاب الأخيرة؟
«الثنائي» يعوّل على أن تكون الدعوة إلى الحوار أو الحض على المشاركة فيه «مدعّمة» من عاصمة غير باريس أو من مجموعة دول، في وقتٍ يتشاور لودريان مع ممثّلي دول خماسية باريس (الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، السعودية، مصر، وقطر). وتقول مصادر قريبة من «الثنائي الشيعي»: «قد يأتي الحوار من غير باريس، ربما من الدوحة أو الرياض، أو من الجميع، فهناك تشاور حول هذا الأمر، ما قد يدفع الأفرقاء اللبنانيين إلى قبول هذه الدعوة». وتشدّد على الحوار حيث» يدلي كلٌّ بدلوه، فلا مسألة تُفرض بالقوة و»الغصب» لا على الآخرين ولا علينا. فبالقوة لا اتفاق ولا حوار».
حتى الآن، لم تتوضّح آلية الحوار ولا موضوعاته. ويعوّل «الثنائي» أيضاً على مشاورات تجريها أكثر من عاصمة عربية وغربية، فهناك موفدون يأتون إلى لبنان من دون لا إعلان ولا إعلام، ويتشاورون مع الجميع. كذلك وعلى رغم تأكيد «القوات» أن لا بحث رئاسياً مع «المرده» وإعلانها الحاسم لرفض وصول فرنجية أو تغطية انتخابه بتأمين النصاب، يأخذ «الثنائي» في الاعتبار اللقاءات بين النائبين ملحم الرياشي وطوني فرنجية. ويرفض اعتبار أنّ فرنجية مرفوض مسيحياً، فهو «ماروني ابن ماروني، وغيره ليس أكثر مسيحيةً منه، وسبق أن كان اسمه من بين الأقطاب الأربعة المقبولين من جميع المسيحيين».
كذلك يرفض «الثنائي» اعتبار أنّ فرنجية مدعوم من الشيعة فقط، فالنواب الـ51 الذين صوّتوا له في الجلسة الأخيرة ليسوا جميعاً شيعة، فضلاً عن أنّ هناك آخرين قد ينتخبونه في دورات لاحقة. ويُسجّل «الثنائي» أنّ «ثلاثة أرباع السنّة وجميع الشيعة وما بين 15 و20 نائباً مسيحياً مع فرنجية، فيما أنّ «الآخرين» ليسوا مع أزعور. وهذا رئيس جمهورية لبنان وليس الموارنة فقط».
«الثنائي» يرفض أيضاً اتهامه بتعطيل الانتخابات الرئاسية، فـ»هذه لعبة سياسية ديموقراطية لا يمنعها القانون، وتحصل في كلّ دول العالم، وحتى في واشنطن». وتردّ المصادر القريبة منه على هذا الاتهام بسؤال: «إذا قلنا إنّ الأكثرية المطلوبة لانتخاب فرنجية مؤمّنة، هل يؤمّن الآخرون النصاب؟ وإذا امتنعوا هل يُعتبر هذا تعطيلاً أم حقاً؟». كذلك تشير إلى أنّ الكتل المسيحية تقاطع أي جلسة تشريعية على رغم أن لا قانون يمنع التشريع الآن خصوصاً إذا كان ضرورياً».
في المحصّلة يتمسّك «الثنائي الشيعي» بمرشحه ويعمل على انتخابه دون غيره، منتظراً ما سيحمله لودريان وما قد يرشح عن عواصم تُعتبر أنّها مؤثرة على الأفرقاء الآخرين، وهو يعتزم الانتظار إلى «ما بعد بعد زيارة لودريان»، إذا لم تؤتي بالنتائج المطلوبة.