كريم حسامي
الحديث عن الولايات المتحدة، الإمبراطورية الأكبر عالمياً وفي تاريخ البشرية، مثير جدا هذه الأيام لأنها تسقط، و"عندما تمرض أميركا وتعطس، يمرض كل العالم".
لنلقي نظرة صغيرة على ما يحصل في أميركا التي تشهد أحداث سياسية-اقتصادية-اجتماعية تتعلق ببُنية النظام ككل، للمرة الأولى في تاريخ البلد منذ تأسيسه، لذلك تتصاعد التطورات بهذه السرعة وهذه الحدّة.
فبعدما كان كل شيء على ما يُرام والاقتصاد يزدهر مثلما كان يُشدد دائماً الرئيس دونالد ترامب، فجأةً أتى فيروس انتشر في كل الولايات الخمسين زارعاً الرعب في نفوس الناس في العالم. فيما أُلقِيَ الضوء على عدد من الحالات والدراسات والإحصاءات التي تفيد أنّ كورونا أقل خطورة وفتكاً بكثير من الانفلونزا الطبيعية.
لحق هذا خسارة نحو 40 ألف أميركي أعمالهم، توازياً مع تسجيل أميركا رقماً قياسيّاً في عدد العاطلين عن العمل وفي عمليات إنقاذ الشركات وهندسة في نقل الثروة للنخب الغنية مُجدداً بعدما نُظمّت فعلياً عامي 2008-2009.
أمّا الأزمة الحالية، فيمكن اختصارها بـ 6 ترليون دولار "دَين جديد" عبر تغيير هيكل النظام كما يحلو لهم عبر تحويل نصف الطبقة الوسطى المتبقية من حضارتهم إلى فقراء وإعطاء الأموال للأغنياء، فضلاً عن تقديم قروض لزيادة ثروة نحو 500 شركة، بينها "أمازون" و"فايسبوك" و"غوغل" و"نيتفليكس" و"آبل". لكن لا يمكن لهذه الشركان أن تبقي الاقتصاد صامداً في ظلّ ازدياد الفجوة في الثروة الى هذا الحد المخيف.
وسط هذه التطورات، حذّر ديبلوماسي رفيع مطلع على الأوضاع الأميركية من أنّ "فتح البلاد ليس إلّا "فتح وهمي" وطريقة فولكلورية تصّب في مصلحة أهداف سياسية وشخصية لأنّ الاقتصاد مات".
وأضاف أن "تقرير وزارة العمل الأميركية حول انخفاض نسبة البطالة فجأةً وشغل 2.2 مليون وظيفة، يُعتبر تقريراً مُزيّفاً مبني على التلاعب والأرقام لا تظهر الحقيقة في وقت يتجاهل عدد من الحقائق".
وأشار الديبلوماسي إلى أن "إعادة فتح الاقتصاد مع السماح للرحلات عبر المحيطات بشرط الحجر لـ 15 يوم، يبقي الأمور جامدة توازياً مع عدم فتح عدد من الولايات كما كانت سابقاً، وبالتالي هكذا يتّم شلّ قدرة الأميركيين على العودة الى دورة الحياة تدريجاً".
هذا الفصل الثاني والثالث في سلسلة فصول طويلة حول الانهيار الاقتصادي التي تشهده الولايات المتحدة بعدما تُوفيت ولا جدوى من إعادة الحياة للجسم بانتظار الدفن وإنهاء الإمبراطورية خلال السنوات المقبلة.
فالولايات المتحدّة لم تختبر سابقاً هذا الكمّ من التزوير والغشّ والسرقة والتلاعب بالأصول الحقيقية للشعب الأميركي في اقتصاد يمكن وصفه بالاحتيال تم بناؤه على أساس التعاطي بالدين كالإدمان على المخدرات وصولاً للموت بالجرعات الزائدة!
إلى ذلك، يمكن إلقاء الضوء على تقريرين يعطيان صدقية لكيفية تأثير الأوضاع في أميركا على العالم، إذ توقّع البنك الدولي انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة 5.2% العام الجاري، في أسوأ معدل منذ الحرب العالمية الثانية، نتيجة "الصدمة السريعة والشديدة" التي تعرض لها الاقتصاد بسبب "كورونا".
وقال البنك إن أكبر مجموعة من اقتصادات العالم منذ عام 1870 ستشهد تراجعات في متوسط نصيب الفرد من الناتج. ومن المتوقع أن ينخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 3.6٪ ، ليطال “الفقر المدقع ملايين الناس” هذا العام.
وتوقع البنك أن ينكمش النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 7% في العام الحالي بسبب الاضطرابات الشديدة التي أصابت الطلب والعرض بالإضافة والتجارة والتمويل.
كما ستشهد الاقتصادات الصاعدة والنامية انكماشا نسبته 2.5% هذا العام، وهو أول انكماش لها كمجموعة منذ 60 عاما على الأقل.
وقد ينكمش الاقتصاد في الولايات المتحدة واليابان بنسبة 6.1% هذا العام فيما يتقلص الناتج في منطقة اليورو بنسبة 9.1% حيث ألحق تفشي الجائحة ضررا بالغا بالنشاط الاقتصادي.
وعلى غرار هذا التقرير المخيف والخطير، بدأت موجة الإفلاس التي تنبأ بها الخبراء بالانتشار في الولايات المتحدة.
ووفق "بلومبرغ"، فقد بدأ أصحاب محلات البيع بالتجزئة في نهاية شهر أيار الماضي بإرسال آلاف إشعارات الإفلاس إلى المؤجرين. وغالبية المفلسين الرئيسيين، كالمطاعم والمتاجر ومحلات بيع الملابس وسلاسل البيع المتخصصة، التي لم تقم أصحابها حتى الآن، من دفع قيمة الإيجار لثلاثة أشهر.
باختصار، عندما يسقط البلد الذي اخترع الرأسمالية ونشرها في العالم، فلا مجال للشكّ أن العالم سينهار تباعاً كالدومينو مثلما نرى في الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا.