... والعصا في قبضة الراعي لا تكون للخراف التي يرعاها، بل للذئاب التي تنقَضُّ على الخراف. وإِذِ الراعي مسؤُولٌ عن رعيَّته، طبيعيٌّ أَن يوجِّهَ، أَن يؤنِّبَ، أَن يحذِّرَ، كي تستقيمَ الرعيةُ في أَخلاقيات الصلاح. وحين تتهدَّدُ الأَخلاقيات، يعلو صوتُه هادرًا في شُذَّاذ الرعية، كما صرخ بهم في عظة الأَحد الماضي عن جلسة الأَربعاء 14 حزيران الحالي: "كيف نقْبَل مهزلةَ ما جرى في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، يوم انتُهِكَ الدستورُ والنظامُ الديمقراطيُّ بدمٍ باردٍ فتوسَّع جرحُ الانقسام والانشطار.
أَهكذا نحتفل بمئوية لبنان مميَّزًا بميثاق العيش معًا مسيحيين ومسلمين"؟ وها بيان السينودس الأَخير (السبت الماضي 17حزيران الحالي) يُعلن: "تفكَّكَت الدولة سلطاتٍ ومؤَسساتٍ وإِدارات، فإِذا طبقةٌ سياسيةٌ قائمةٌ على الزعامات الزبائنية، تمكَّنَت من وضعِ يدها على الدولة وتسخيرِها لمصالحها الخاصة، على حساب الشأْن العام وحقوق المواطنين". وأَكَّد بيان السينودس على "دورِ البطريرك مؤْتَمَنًا تاريخيًّا على كيانِ لبنان ووحدةِ أَبنائه، ودورِ بكركي دارَ تلاقٍ وحوارٍ بين جميع اللبنانيين، يعملُون معًا على بناء دولةٍ حديثة وطنية جامعة، دولةِ قانون وعدالة، دولةِ مشاركة ومواطَنَة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات، دولةٍ تحترم الانتماءَات الدينية تحت سقف الانتماء الوطني والانتماء للوطن".
ما أَصدقَ رؤْيتَك يا صاحب الغبطة، في التطلُّع إِلى احترام "الانتماءات الدينية تحت سقف الانتماء للوطن"، فلا فئوية مذهبية ولا تزمُّت طائفي ولا شوفينية دينية. وهو هذا ما نَعهدُه لديك: لا بطريرك الدين وحسب، بل بطريرك الإِنسان اللبناني أَطفالًا ورجالًا وتنشئةً وطنية سليمة، وخدمة الفن اللبناني في الكنيسة، بطريرك الرحمة والكَرَم والقانون والسلام، بطريرك الشعب يعطيه الطاقة الإِيجابية واعظًا إِلى سبيل الخير والصلاح في لبنان اللبناني على أَرضه وفي العالَم.
بِاسْمِ هذه جميعِها يا سيد السلام، نسأَلُكَ أَن تهزَّ عصاك في وجه من يعصاك، فبين خرافكَ يوضاسيُّون مُقَنَّعون، وبيلاطسيون سافرون، وفرِّيسيون مداهنُون. أَعرف أَنْ لا تقدر إِلَّا أَن تحبَّهم لأَنهم أَبناءُ رعيتكَ، لكنَّ المعلم الذي قال لنا أَن نَغضَب ولا نُبغض، هو ذاتُه ثار في لحظة غضب، فحمل كرباجه اللاهب ودخَل على الهيكل يَطرد منه مَن لا يستاهلون قدسية الهيكل.
بلى، يا سيدي، بلى: عصاكَ عصاكَ أَيها الراعي، نَــقِّ رعيَّتَكَ من الـمُرائين، واطرُدهم إِلى الظلمة البَرَّانية، بعدما شعبُنا طرَدَهم من قناعاته، ودولُ العالم فقدَت ثقتَها بهم وباتت تُعيِّرهم بالعُقْم والتقصير والفشل في إِدارة شؤُون البلاد، هُم الذين أَفسَدوا السُلطة، وهدَّموا الدولة، وشوَّهوا صورة الوطن الباهرة. تسأَل الله أَن يُلهمَهم؟ وكيف يُلهِم اللهُ مَن ليس في ضميرهم ضمير، ومَن في قلبهم حقْدٌ ذئْبَوِيٌّ وضغينةٌ ثَعلبية، فباعوا شعبهم بمئاتِ ثلاثينات الفضة حتى خجلَتْ منهم الفضة ولفظَتْهم لعنةُ الثلاثينات. عصاكَ عصاكَ أَيها الراعي... فلا سواكَ مَن يفصِل في الخراف بين البريْءِ والـمُتَثَعْلِب، وأُبُوَّتُكَ لن تمنعَكَ من احتضان الابن الشاطر حين تَثْبُت براءَته.
أَما قبْلذاك، فَلْيَنْهَر صوتُكَ الابنَ الضالَّ منبِّهًا ومعاقبًا في قسوة العقوبة مهما تكن جلَّادة. عصاكَ عصاكَ أَيها الراعي... يا الحاملُ في قلبكَ وضميركَ وصلواتكَ همومَ لبنان، يا مَن أُعطي له مجدُ لبنان، علِّمْهم عظمةَ لبنان ومجدَ لبنان وفرادةَ لبنان في العالَم، ولْيَعُوا أَنَّ مصيرَهم نارٌ ستُحرقُهم بغضب الشعب وغضبِك، كي يَعرِفوا أَنْ ليس كلُّ مَن حملَ بطاقةَ الهوية يَستحقُّ أَن ينتمي إِلى وطنه، ويستاهل نعمةَ أَن يكون من أَبناء لبنان.