ضربة شمس
ضربة شمس

خاص - Sunday, June 7, 2020 8:25:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

 

أستمرُّ معكم بمحاولة الهروب مما نحن فيه، كما كنّا نهرب من المدرسة في عهد الولدنة، واستأذنكم بتأجيل الحديث عن أم كلثوم وأحمد شوقي، وكذلك عن أبي العلاء والشريف المرتضى، الى الأحد القادم، لأن طرائف ومفارقات حصلت معي في هذا الاسبوع استحسنتُ تضمينها هذه المقالة على أمل أن  تقع عندكم في موقع الاستساغة..

 

بدأ الأمر عندما علمتُ أنّ رئيسَ المحكمة العسكرية السابق العميد حسين العبدالله قد كُلّف بمهام في ألمانيا وانجلترا، إذ وَجّهتُ له رسالة صوتية، هنأته فيها بالعيد، وباركت له بالمنصب الجديد. أفتح قوسين لأقول إنّ الذين حمّلوه مسؤولية تبرئة العميل عامر فاخوري، جهلوا تماماً أن الفاخوري المذكور لم يكن مُحالاً على المحكمة العسكرية بتهمة العمالة بل بتهمة القتل الساقطة بمرور الزمن، ولكن تفشي العشوائية القانونية جعلت الناس يهرفون بما لا يعرفون ويُحمّلون الرجل المحترم وزر ما لا علاقة له به في حملة كيدية ظالمة؛ بعد ذلك بيومين، وأثناء تفقدي رسائل الوتساب فوجئت بثلاث أبيات من الشعر كتبها لي القاضي الصديق حسين العبدالله إذ  يبدو أن الرسالة الموجّهة إلى سميّه قد وصلته عن طريق خطأي في عدم التمييز بين الحسينيْن:

قال الحسين:

يا لعنة الإسم مازالت تلازمه

                                              ظلماً.. فبات حسينُ "الدهرَ".. مظلوما

 لست العميد.. ولكن إن تشاء أنا

                                عميد ظلم قضاء..بات مذموماً

كلمتني خطأ.. فالتامَ بي كلمُ

                                      من بلسم الصوت تحفيفاً وعظيماً

 

تملّكني الحرج وهتفتُ للزميل المحامي الشاعر الكبير شوقي ساسين ورويتُ له الطرفة فحرّضني على الرد على الأبيات من البحر نفسه والروي؛ فسجلتُ له عشرة أرسلتها إليه بالصوت أعبّر له فيها عن اعتذاري وتقديري له ولمناقبيته، كشاعر مجدد وطريف، وكقاضٍ بنفسجي؛ وصفة البنفسجي هذه تطلق على القضاة الذين يعملون بصمت وينزوون خلف صخرة الحق، ولكنّ عطرهم يفوح من عمق تواضعهم وعدالتهم، بعكس القاضي النرجسي الذي يسرق وقتنا ويسرف في تأمل جماله على الصفحات البيضاء.. الخالية، من الأحكام والتوقيع .

قلت لحسين القاضي في مدينة طرابلس والمستشار في محكمة الجنايات والمكلف بمهام كثيرة ما يبرّر زلة البيان بعض البيان، قلت:

يا لَعْنَة السِّنِّ إن أزرتْ بِصاحِبها

 فبات عند عميد الشِّعَرِ...مَوْصْومَا

وَهْجُ النجوم على الكِتْفَيْن..يلزمني

أن أذكرَ الفضل..عرفاناً..وتكريما

زَلَّتْ بَناني..فحَطَّ الوُدُّ عِنَدكمُ

أكانَ مجرى الهوى..من قبل مرسوما؟

يا حَبَّذا خطأ..ينسلُّ مِنْ خطأٍ

يُوَلِّدُ الشِّعْر..بسَّاماً..ومكْلوما

أنت التُواضُعُ إن بثَّتْ بنفسجةٌ

عطراً  عفيفاً بِطعم الروحِ..مَوْسوما

أنت الحسين شهيد العدلِ..راهبُه

مَنْ يجحدِ العدل ..عاش..الدهر مذموما

عذري...ثقوبٌ مشت في عمق ذاكرتي

فأغفَلتْ علَماً..في العلم معلوما

لا لوم عندي على زَيَغٍ بأُنْمُلَتي

أفشت إلى عَلنٍ ما ظلَّ مكتوما

درب الثمانين إن دبَّت بأرجلها

دَبَّتْ نِمالٌ..بسطرٍ كان محتوما

تمصُّ من ألق العينين ماءتها

وتأكل الوعي....حتى تبلغ "الكوما"

 

ثم انتظرت أن يتلقّف الرسالة الصوتية ويرد عليها ففوجئت بقاضي التحقيق العسكري المحترم الصديق آلاء الخطيب يهتف لي، ويقول ما هذه الأبيات التي أرسلتها للعميد حسين العبدالله، فأكتشفت أنني وقعت  في الخطأ نفسه ولكن بصورة معاكسة، فما كان من زملينا الاستاذ شوقي ساسين إلا  أن عقب على الأمر قائلا:

قادَ الرّشيدَ إلى تَكْرارِ غَلْطَتِهِ
تماثُلُ اسْمَينِ، كلٌّ مِنْهُما ضِيما
بينَ الحُسَيْنَيْنِ أَبْياتٌ له سرَحَتْ
وسلَّمَتْ بالرِّضا والوُدِّ تَسْليما
قاضٍ، نَقِيبٌ، عَمِيدٌ، طالما افْتَتَحوا
للعَدْلِ والشِّعْرِ إِقْليمًا وإِقْليما
في كلِّ مُعْتَرَكٍ خاضوا عَجاجَتَهُ
كانوا إِلَيْهِ المقاديمَ المقاحِيما
يا لِلثَّلاثَةِ، مِمـَّا أحْرَزوا رُتَبًا
غَدا شُعاعُ الضُّحى بالكَفِّ مَلْموما
أمّا أنا فَكَما الجُنْدِيُّ، حَسْبُ يَدي
ضَرْبُ التَّحِيَّةِ للضُبّاطِ تَعْظيما

سنضرب لك التحية يا شوقي نقيباً عتيداً للمحامين

 

حصلت هذه المفارقات قبيل كتابتي المقالة السابقة، أما في يوم الأحد، وبعد أن تأكدت من إيصالها إلى الأصدقاء والأحبة اقترحت علي السيدة هبة زوجتي أن نخرج إلى الكورة للفسحة بين الزيتون، فضاعت من قدمي الطريق كما يقول عبد الحليم حافظ ولسعني الهجير فسقطت مغشياً علي وقام الصليب الأحمر في أميون وجميعة العناية الطبية الاسلامية بجهد لرفعي على حمالة من حفرة صخرية إلى مستشفى هيكل حيث كان بانتظاري البلالان، الدكتور بلال نافع طبيب الأذنية وكل الأمراض، وبلال كرامي الذي يبل المرء من دائه لشدة دقته ودماثته؛ ما كنت لأشغلكم بهذا، لولا أنه عندما وصل طبيب القلب الدكتور ربيع دندش للكشف علي، وكنت قد زوّدته بملف كامل وقرص صلب عن رسوم القلب، فطمأنني على وضعي، ثم قال ضاحكاً:" لقد قرأت محتويات القرص الصلب بكل شغف، أهنئك فقلبك سليم، ولكن محتويات القرص كانت عبارة عن قصائدك الشعرية فانفجرت غرفة الطوراىء ضحكاً  وكان بلال نافع أكثرهم شماتة  فقال:

ذهنك حاضر ما بينقاس

بغلطة واتساب يا نقيب

الحمدالله أنه الدرباس

لنو مهندس ولا طبيب

 

استعدت الوعي ليلاً على شاشة الـ N.T.V، في برنامج يستضيف فيه جورج صليبي معالي وزيرة العدل، وخشيت ألا أحسن الأداء، ولكن للشاشة سحرها الشافي  إذ يبدو  أنّ مداخلتي كانت لا بأس بها الأمر الذي حدا بالرئيس سعد الحريري أن يهاتفني ممازحاً ومتمنياً لي في كل يوم ضربة شمس. ضحكتُ جداً وفاتني أن أقول له إننا ما زلنا جميعاً نعاني ضربة شمس التي تلقيناها منه منذ سنوات قليلة ، متّعه الله وإيانا بظل كثيف يقينا الهاجرة.

شكراً للدكتور سمير علم والدكتور موريس خوري اللذين كشفا علي مجاناً وأعطياني شهادة جدارة صحية تخفف عن عائلتي والمحبين كثرة الوساوس.

 الى اللقاء مع أحمد شوقي وأم كلثوم وأبي العلاء والشريف المترضى.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني