النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
هل حقّ على دولتنا لقب جمهورية الفراغ، وهل أصبح تعريف السياسة أنها إدامة العيش في اللا شيء؟ أهو قائد بارع ذلك الذي يخيّرنا بين الويل والويل، وبين الموت المعنوي والموت الجسدي، أو بين الظلمة والديجور، وبين الخزي والإهانة؟
لقد مرّت على الشعب اللبناني ظروف صعبة كثيرة، واخترقت الحروب العبثية جغرافيته من كل جانب، ودمّرت أحياءه، واقتحمت العصابات المناضلة مصارفه فأفرغت خزائنها دعماً للنضال، وفرضت الخوات بلا شفقة، ولكنّه غير ذلك كان سريع التكيّف، ينفض الغبار عنه، ويبتكر الوسائل لمواصلة الحياة.
كنا نرسل أبناءنا إلى المدراس بين القذيفة والقذيفة، ولكنّهم نجوا واستطاعوا أن يحرزوا الدرجات العلمية لأنّنا كنّا متمسكين باستمرار العيش؛ بعد اتفاق الطائف انقشعت الغمامة عن العيون كلها، إذ توقف القتال، فأدركنا متأخرين أننا كنا ضحايا الجريمة والخديعة، فزالت المتاريس، وفتحت الطرقات، ونسينا لقب الغربية والشرقية، واستبشرنا بمستقبل جديد إلى أن كان عيد الحب المشؤوم في الرابع عشر من شباط 2005 حيث حصلت الاستدارة الكاملة إلى أسوأ ما مضى علينا، فلقد كان الماضي منغمساً في نزاع متكافىء، أما الآن فهو نزع متمادٍ، نلفظ فيه الأنفاس الأخيرة والآمال الأخيرة والقروش الأخيرة التي استولت عليها مافيات السياسة والمال، حيث مازلنا لا نصدق أن الفئران والجرذان قد تسلّلت من ثقوب الحواسيب الالكترونية، والهندسات المالية فأفرغت الصناديق من محتوياتها ولكنها حفظت لنا حقوقاً بأوراق مثبتة، تخوّلنا استرداد المسلوب إذا تحلّينا بالصبر، لأنّ اللصوص أقسموا بشرفهم أنهم سيسدّدون لنا أموالنا في هجعة القبور، علنا نستفيد منها بشراء جنائن معلّقة في رحاب الدنيا الآخرة.
نحن لسنا جمهورية فراغ، ولكنّنا دولة أسلمت أمورها لفارغي القلوب من الشفقة، وفارغي الوجدان من الضمير وفارغي العقول من الحكمة، فأفرغوا بذلك المجتمع من حيويّته، وتركونا على حالنا ريثما يصلهم من الفراعنة سر التحنيط، حتى يصبح لبنان مومياء يابسة، ولا يهمّ أثناء ذلك إذا عمّ النتن وسرحت الديدان والقوارض تنهش الميّتين والذين هم على شفا الموت.
أما آن لنا أن نجهر بإزدرائنا بهم، ونقول بملء الأفواه أن لا أحد يصدّق مقولاتكم، فالرجل المقاوم يجب أن يتمتّع بجسد سليم، والمعتز بتاريخ الأجداد عليه أن يثبت جدارة النسب وصحته، والأحزاب النظيفة عليها استخراج شهادات ممهورة من مصابغ معتمدة، أما أنتم فوالغون بوساخة تبيض الاموال وبياض المخدرات، وهندسات التدليس.
كنا في الماضي نشترط في القائد أن يكون نزيهاً شجاعاً مثقفاً ضليعاً في التاريخ، ولكن كل ما نطلبه الآن أن يكون متمتعاً بالصحة النفسية والعقلية وأن يكون قد استمع إلى نشرة أخبار الأمس، كي يقرأ غده المشؤوم.
"وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ (1) ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ (2) يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ (3) كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ (4) وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ (5) نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ (6) ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَةٞ (8) فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۭ (9)"
صدق الله العظيم
*أذكّر أصدقائي أن غداً في الساعة السادسة مساء سيكون موعد مناقشة مجموعتي الشعرية الأخيرة "تجاعيد حبر" في مركز الصفدي في طرابلس، حيث سيدير الحوار البروفسور اميل يعقوب، ويشترك فيه الدكتور غالب غانم والشاعر هنري زغيب والاستاذ شوقي ساسين.