محمد بلوط - الديار
كان المشهد في مجلس النواب ومحيطه امس، صورة مصغرة للوضع الراهن وما احدثه ويحدثه الانهيار الاقتصادي والمالي المستمر.
الدخان الناجم عن القنابل الدخانية التي اطلقتها القوى الامنية ظهر امس لتفريق آلاف المتظاهرين من متقاعدين عسكريين ومدنيين ونقابات، وصل الى ساحة النجمة وتسرّب الى مبنى مجلس لنواب، الذي كان يشهد نقاشا في القاعة العامة على اثر انفلات الدولار وجنونه، قبل ان تكبحه محاولة جديدة من العلاجات الترقيعية التي اعتادها اللبنانيون مؤخراً.
المتظاهرون في الشوارع القريبة من المجلس رفضوا ان يكونوا مادة لاستثمار اي من السياسيين والنواب، واعترضوا على مشاركة النائبة بولا يعقوبيان وآخرين، وبقوا يعبّرون عن وجعهم ومعاناتهم على مدى ثلاث ساعات، قبل ان تفرقهم القوى الامنية والجيش اللبناني، الذي اتخذ اجراءات مشددة في المنطقة.
اما في داخل المجلس فقد طرح اكثر من ثلاثين نائبا اسئلة عديدة برهن الحكومة والمصرف المركزي والمصارف، في اطار مناقشة اسباب هذا الفلتان الكبير الذي شهده ويشهده سوق العملة، وما جرى ويجري على هذا الصعيد من تلاعب متمادي، جعل الدولار يقفز دفعة واحدة اول من امس ما يقارب الاربعين الف ليرة، قبل ان يتراجع وينزل من 142 الفا الى حوالى مئة وعشرة آلاف، بعد فتح صيرفة مجددا على سعر عال جديد بلغ 90 الف ليرة للدولار الواحد.
خرج النواب من جلسة اللجان النيابية المشتركة، التي تحوّلت الى جلسة لمناقشة الحكومة، كما دخلوا، ووصف اكثرهم بان ما جرى بقي يدور في حلقة مفرغة، لا سيما انهم لم يحصلوا على اجوبة لاسئلة عديدة طرحوها، لا من الحكومة ولا من مصرف لبنان.
حضر الجلسة ممثلا لحكومة تصريف الاعمال نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي ووزير المال يوسف الخليل، ومثل حاكم مصرف لبنان المسؤول القانوني في المصرف، كما حضر ممثل عن "جمعية المصارف".
وفتح نائب رئيس المجلس الياس بوصعب المجال امام النقاش، مؤكدا ان الجلسة ليست لمساءلة او استجواب الحكومة، لان مثل هذه الجلسات لها اصول معينة وتجري في الهيئة العامة، لكن يمكن القول انها جلسة مناقشة للحكومة وطرح اسئلة عليها حول الوضع النقدي وما وصل اليه.
بقيت الحكومة طيلة الثلاث ساعات، التي استغرقتها الجلسة، تستمع وتدوّن اسئلة النواب، واعطت اجوبة مختصرة تتلخص بالآتي:
1- الحل مرتبط بالحل السياسي الذي يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية.
2- باستكمال خطة التعافي والاصلاحات.
3- استعادة الثقة بلبنان من خلال هذه الاصلاحات.
ورفض الشامي القول ان المفاوضات مع صندوق النقد لم تسفر عن نتائج او وصلت الى حائط مسدود، معتبرا ان المفاوضات مستمرة. وقال: "خلو الحكومة تشتغل شغلها".
ونقل نواب عنه قوله "ان تعاميم مصرف لبنان غير قانونية"، لكنه لدى خروجه من الجلسة نفى ان يكون قد قال هذا الكلام. وعندما سئل عن رأيه في تعاميم المصرف تجنب اعطاء اي جواب.
ويمكن استخلاص ما جرى في جلسىة اللجان، ان اسئلة ومداخلات نيابية كثيرة قاربت مشكلة ما يحصل على الصعيد المالي والنقدي، لكن اجوبة الحكومة كانت عمومية، الامر الذي يبعث على الاعتقاد باننا سنشهد المزيد من التداعيات السلبية، في ظل العلاجات الترقيعية وغياب الحل الجدي.
وكالعادة اجمع النواب على ان الحل يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية، لكنهم بقوا على مواقفهم، وان شدد العدد الاكبر منهم على الحوار والتوافق.
بوصعب: نحن نعيش في فوضى
وبعد الجلسة ادلى بوصعب بتصريح مطول عن الجلسة، فاوضح انها "ليست جلسة استجواب للحكومة، لان هناك اصولاً لمثل هذه الجلسة، وقد اوضحنا هذا الامر. وقد بدأنا بنقاش عام مع ممثلي الحكومة، وحاولنا قدر الامكان اخذ اجوبة".
وعن قول بعض النواب ان هذا النقاش لم ولا يوصل الى نتيجة قال: "ما هو البديل؟ اذا لم نناقش الحكومة ونطرح افكارا، فان ذلك يعني اننا نستسلم للوضع". اضاف: "كانت جلسة هادئة جدا، وكان هناك حوار بناء، وقد اعطت الجلسة نتيجة يمكن البناء عليها لاكمال الحوار".
واشار الى طرح اسئلة عديدة على الحكومة وممثلي مصرف لبنان والمصارف، ومنها السؤال: "مَن المسؤول عن سعر الصرف؟ حتى الآن لم نتلق جوابا واضحا لا من الحكومة او من مصرف لبنان، ويقولون ان المسؤولية على الصرافين ونتيجة العرض والطلب. نحن نعيش في فوضى".
وكشف بوصعب "انه في الشهرين الماضيين تبيّن ان عددا كبيرا من النافذين ما زالوا قادرين على تحويل اموال الى الخارج، وهؤلاء النافذين هم ليسوا من السياسيين فقط، بل من رجال الاعمال وقضاة وامنيين وضباط، وهؤلاء ينتمون او هم من الدولة العميقة التي نتحدث عنها".
واكد "ان لا بديل عن الحوار، وعلينا ان نستمر في المحاولات"، مشيرا الى ان السؤال الكبير في الجلسة كان من عدد من النواب، وهو لماذا لم يحضر حاكم مصرف لبنان الى الجلسة؟ كيف استطاع الذهاب الى العدلية للتحقيق ولم يحضر الى المجلس؟ واوضح "صحيح ان الحكومة اعدت وارسلت خطة التعافي، لكن هذه الخطة فيها مشاكل عديدة، ولا يوجد فيها تطمينات او امور واضحة حول اعادة اموال المودعين".
ونقل عن سعادة الشامي دفعه عن طريقة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وقوله "ان ما تم التوصل اليه حتى الآن هو افضل شيء ممكن"، وتوجه اليه قائلا: "لماذا لا تستخدموا موقف مجلس نواب اداة ضغط في تفاوضكم مع الصندوق"؟
واشار الى ان النواب لم يحصلوا على اجوبة حول:
1- من يدفع الثمن في موضوع منصة صيرفة؟ وكيف تسير الاموال؟
2- لماذا تضرب المصارف وكيف؟
3- ما هو حجم السيولة القوية في مصرف لبنان؟
4- لماذا اقفلت المصارف ابوابها في 18تشرين الاول في العام 2019 لاكثر من اسبوعين بعد يوم عند بدء الثورة؟
وشدد على اجماع النواب حول انتخاب رئيس الجمهورية، مشيرا الى انه "لكي نتمكن من تحقيق ذلك، ليس لدينا خيار سوى الحوار مع بعضنا بعضا". وقال: "انه جرى الاتفاق على ان نستمر بالحوار مع الحكومة والمصرف المركزي لمتابعة كل الامور المتعلقة بالوضع القائم".
الشامي: 3 عناصر للحل
ونفى نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ما نقله عنه بعض النواب بان تعاميم مصرف لبنان غير قانونية، وقال، "انا لم اتحدث عن ذلك".
وحين سئل عن رأيه بتعاميم المصرف، تجنب اعطاء جواب واضح حول الموضوع.
وقال بعد الجلسة: "ان الانهيار هو نتيجة السياسات الاقتصادية على مدى سنين، وعلينا ان نعالجها بشكل متكامل وليس على القطعة".
وشدد على "3 عناصر للحل هي: حل الازمة السياسية، ووضع خطة شاملة متكاملة للوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، واعادة الثقة من خلال اجراء اصلاحات حقيقية.
"امل": الجلسة لم تخرج بنتائج ملموسة
*وانتقد النائب علي حسن خليل ما جرى في الجلسة، معتبرا "ان كل هذا النقاش يدور في حلقة مفرغة". وشدد على "خطة شاملة لمواجهة الانهيار وعلى تطبيق القوانين"، ولفت الى "ان هناك ضرورة لمواجهة التعطيل الحاصل، وان الحوار هو السبيل لانتخاب رئيس الجمهورية".
*وقال النائب قبلان قبلان: "صحيح ان انتخاب رئيس الجمهورية هو بداية الحل، لكن هذا لا يعني ان نعطى كل شيء في البلاد ونشلّ المؤسسات". ورأى "ان هناك حلقة متكاملة في التعطيل"، منتقدا المصارف ومصرف لبنان، ومن يعطل الادارات والدوائر العقارية والميكانيك وغيرها. وقال: "هناك جهات تريد وتعمل لانهيار البلد، لكنهم عليهم ان يدركوا انه اذا انهار البلد سينهار على رؤوس الجميع، ولن يكونوا في منأى عن هذا الامر". واعتبر ان الجلسة "لم تخرج بنتائج ملموسة وما شهدناه هو مثل طواحين الهواء، وما سمعناه في الداخل هو مثل الذي نسمعه في الخارج".
"الوطني الحرّ": لحالة طوارئ
*وقال النائب ابراهيم كنعان: "المطلوب من الحكومة، ومصرف لبنان ان يضعوا اللبنانيين ومن خلال النواب في ما يحصل، والى اليوم ليس لدينا اجابات واضحة ولا اجراءات واضحة"، واكد "ان الخرق المطلوب لهذا الواقع هو في اعادة انتاج المؤسسات بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية". وقال: "ان استعادة لبنان للثقة تفترض ان نقوم بواجبنا ومسؤولياتنا لاعادة انتاج مؤسسات الدولة واجراء الاصلاحات المطلوبة".
*ودعا النائب سيمون ابي رميا الى حالة طوارئ، وعقد اجتماعات دورية للمجلس مع الحكومة والوزراء لمتابعة الازمة، ومحاولة معالجة ما يمكن معالجته"، لكنه اكد "ان الحل النهائي هو في انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة واجراء الاصلاحات، ووضع خطة شاملة للتعافي".
حزب الله: احد المصارف يتلاعب بسعر الدولار
*واثار النائب حسن فضل الله خلال الجلسة موضوع التلاعب بسعر الدولار من خلال احد المصارف، متهما هذا المصرف "بافتعال الفتنة بواسطة اللعب بالعملة"، ومشيراً الى "ان القضية امام القضاء، وعلى النواب والمجلس ان يقف خلف القضاء في هذا الشأن".
وقال: "يجب الذهاب الى القضاء لمحاسبة الذين وراء ما يجري في سوق العملة والملاعبين في السوق، وان يكون الحساب عسيراً". وختم "ان ما يجري هو أمر خطر يهدد لبنان الدولة".
*وطرح النائب حسين الحاج حسن اسئلة عديدة في الجلسة على الحكومة منها:
1ـ اين اصبحت خطة التعافي وماذا جرى فيها؟
2ـ لماذا لم تنفذ القوانين المتصلة بالشأن المالي والاصلاحي؟
3ـ هل للمصارف الحق بالاضراب واقفال ابوابها؟
4ـ لماذا اقفلت المصارف ابوابها في 18 تشرين الاول عام 2019؟ (بعد يوم من الانتفاضة).
5ـ كيف يتم طبع العملة وفق اي منهجية؟
6ـ الى ما يؤدي اعتماد منصة صيرفة، وهل من تقرير حول عملها واهدافها؟
"القوات اللبنانية": الجلسة مخيبة للآمال
*قال النائب جورج عدوان باسم كتلة "الجمهورية القوية" ان الجلسة "كانت مخيبة كلياً للآمال، ولم نحصل على جواب واضح عما يجري. ولم يحضر حاكم مصرف لبنان، ولم يعط ممثله اجوبة على اسئلة النواب. وكذلك لم يعط وزير المال اي جواب، وبقيت الحكومة تتحدث بالعموميات".
ورأى "ان وزير المال لا يعرف ماذا يدور، وان الوحيد الذي يدير الامور هو حاكم مصرف لبنان". واعتبر "ان المسؤولية ليست عند مجلس النواب، وكل ما نستطيع القيام به هو التوجه الى القضاء". ووصف الحكومة انها "شاهد ما شافتشي شيئاً".
*اما النائب زياد حواط فقال: "ان دور المجلس مساءلة الحكومة وان كانت مستقيلة، ودورنا هو ان نحاسبها، وغير ذلك فاننا ذاهبوان الى مزيد من الافلاس والانهيار".
"اللقاء الديموقراطي": هل المطلوب ان ندفع الثمن مجدداً
وشدد النائب هادي ابو الحسن باسم كتلة "اللقاء الديموقراطي" على الحوار والوفاق وقال: "لا ننسى عندما كانت الحرب المشؤومة في اوجها كانت قنوات الحوار مفتوحة دائماً". متسائلا "هل المطلوب ان ندفع الثمن مجدداً للذهاب الى الحوار؟ وهل هناك من يحاول الدفع الى تكبير المشكلة في البلد لكي يتدخل الخارج وتتم عملية الحوار"؟
ودعا الى الحوار والتوافق على رئيس الجمهورية، مطالبا من كل الكتل "ان يعود كل منها الى مرجعيته، وحث المرجعيات التي لم تتخذ القرار باتخاذه من اجل التوافق".
نواب "التغيير": النقاشات إبر مُخدرة
واعتبر النائب ابراهيم منيمنة في مؤتمر مشترك مع زميليه فراس حمدان وياسين ياسين"ان النقاشات التي دارت في الجلسة لا تتعدى كونها "ابر" مخدرة، فنحن امام حكومة مستقيلة رسميا، وهي مستقيلة ايضا من دورها ومن الاصلاحات. ومنذ اكثر من سنة بعد توقيع الاتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد لمي تحقق اي شيء، وان الصندوق يعتبر ان الخطط والقوانين التي اقرت لا تتمشى مع المعايير التي طرحها".
واكد "ان بداية الحل تكون بانتخاب رئيس الجمهورية وقيام الحكومة بدورها وبشكل جدي، واستمرار التواصل مع صندوق النقد واقرار القوانين الصحيحة".
البستاني: "فشّة خلق"
وطالب رئيس "لجنهة الاقتصاد" فريد البستاني بتحويل خطة التعافي الى لجنة الاقتصاد لدرسها واعطاء ملاحظاتها عليها.
واشار الى انه تقدم بسؤالين للحكومة:
1ـ ما هو دور مصرف لبنان المركزي في التدخل في سوق العملة؟
2ـ وسألت الحكومة والمصرف المركزي عن دوره في اصدار وطبع النقد.
ووصف ما جرى من نقاش في الجلسة بانه "فشّة خلق"، مؤكدا ان الاموال الموجعة والودائع للناس هي دين في رقبة الدولة ومصرف لبنان.