النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
النبيل نهاد نوفل، الحالم بعينَيْن مفتوحتَيْن ليستشرف ما ينبغي أن يكون... حتى يكون، الضارب المثل بنجاعة وجلال السلطة المحلية حين يتولاها فرسانها، المحامي الناطق بالحق همساً يليق بوقاره ووداعته، المسلّم الراية لأهلها قرير العين مطمئن البال، الصديق الذي أضفى عليّ مودته دون سابق معرفة، المدمن على سماع ناقوسي والذي يسمعه الآن في فضاء صافٍ من التشويش.. السلام لروحه في الدنيا والآخرة.. إلى من جعل من مدينة الذُّوق، مثلاً ملموساً للذَّوق الرفيع.
وبعد، لفتني الرئيس ميقاتي مشكوراً إلى ضرورة التنويه بالاحتفال الراقي الذي نظّمه النادي الثقافي العربي في الخامس عشر من الشهر الحالي في "موفمبيك" إحياء لذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري؛ وأنا ما كنت لأغفل الأمر، لكن أرجأته إلى هذا اليوم لأضعه في سياق الأحداث المتلاحقة التي يهتز تحت وطأتها الكيان اللبناني، لاسيّما أن دستور الطائف الذي كان للشهيد الحريري فيه دوره المعروف، قد بدأوا الإعداد لاغتياله باستغلال رفض العماد عون للقبول به، فجرى تكليف سوريا بالقضاء على الاستعصاء، بما أدى بعد ذلك أن تكون لها الكلمة الأولى في الأشياء كلها لاسيّما إهمال الموعد الذي حُدِّدَ في الطائف لتجمّع القوات السورية في البقاع تمهيداً لخروجها.
تحدّث المنتدون وهم الدكتورة سلوى بعاصيري رئيسة النادي الثقافي العربي والسفير السابق سيمون كرم والوزير السابق ابراهيم شمس الدين والوزير السابق مروان حمادة ثم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية الاستاذ عمرو موسى، فكأني بهم ينظمون لنا صورة متكاملة لتجربة رفيق الحريري بمنعطفاتها ومخاطرها وصعوباتها وإنجازاتها وامتداداتها العربية والدولية ويستشرفون معاً ملامح المرحلة الجديدة من خلال استنباط الدلائل التي تركت بصماتها على الحياة السياسة اللبنانية منذ جريمة الإغتيال وحتى يومنا هذا.
لا يملك المرء إلا أن يقدر الجهد الرصين للنادي الثقافي العربي والكلمات الراقية للمشاركين، في جوّ مهيب حضر فيه الرؤساء الجميّل وسليمان والسنيورة وحشد من نخب لبنان تكريماً لرجل أحبّ بلده حتى الشهادة.
هكذا أكون قد استجبت لملاحظة الرئيس ميقاتي الذي استميحه عذراً إذا خاطبته بعد هذا، عبر الهواء حتى أُشرك من يسمعني في وجهة نظر لست متأكداً من صوابيّتها، ولكنّي مصرّ على طرحها من باب إسهام الآراء الواسعة بمناقشة التدهور المتمادي الذي لا نجد له حدّاً ولا نعرف له مدى، ولذلك أخاطبه بمودة وأقول له إنّ غليل المواطنين لم يرتوِ من مقابلتك الثلاثاء الماضي مع الدكتور سامي كليب، ذلك أنهم بمجرد الإعلان عن الظهور الإعلامي، ترقّبوا منك نفساً هجومياً على حالة تزداد تراكبا وتعقيداً لا يد لك فيها، ولكن الحلقة انتهت وقد خرجت منها سالماً لمكوثك طوالها خلف متراسٍ دفاعي، إذ أحسنت في وصف الظروف، ووضعت قليلاً من النقاط على قليل من الحروف، ولكنك تعمدت، على ما أظن، أن تبتعد عن المناطق الخطرة، فكظمت غيظك إلى حين لا نعرف متى يحل، وأكدت على أنك مستمر في تلك الوظيفة.
ولكن يا دولة الرئيس، أنت الأدرى بالوتيرة الانهيارية المتسارعة، وأنت الأعلم أن لاعبي السيرك يطمئنون مؤقتا إلى أن بقايا حكومتك تشكّل شبكة أمان لهم في حركاتهم الخطرة، وأنك لم تنجح في لعب دور الحكم في هذه الحلبة الجنونية، بل هناك من يصنّفك واحداً من أبطالها ورأس الأزمة فيها وسر المشكلة المكشوف، فيما أنت تقيم على فالق اليمونة، تستشعر الزلزال تحت رجليك، وتتحسس العاصفة التي تتزوبع على حدود جبينك، فتنبىء بقرب تفتت ما تبقى، بحيث، تتحمل بحكم شغلك لمنصبك، المسؤولية الأخلاقية والتاريخية لمجرد أن يذكر أن دولة لبنان الكبير ذات المئة عام وسنتين، تحللت إبان حكمك، وهذا ما جعلني أتوقع منك إرسال انذار قاطع للداخل والخارج مفاده أنك لن تكون شاهد زور على سوء الأفعال، وأنك تضع مهلة تحددها، لانتخاب رئيس تحت طائلة التنصل من دور وهمي كناطور الدولة الذي لا يملك عصا يهش بها على الغربان المحيقة بالكرم؛ كان هذا رأيي، وربما لك رأي آخر، ولكن إحساسي بالمسؤولية أملى عليّ ما أقول، دون أن أن تفوتني الإشادة برسالتك الواضحة لمعالي وزير الداخلية من أجل وضع حد لفوضى قضائية وكيدية غير مسبوقة، بأن لجأت إلى القانون وأحكامه التي تنأى بسبب صريح النص و raison d’état ، بالضابطة العدلية عن خطيئة تنفيذ تعليمات قضائية صادرة عن القاضية المكفوفة اليد بحكم نص المادة 751 من أصول المحاكمات المدنية، كما وجبت الإشادة ايضاً بقرار وزير الداخلية الذي يسكنه القانون.