الشاعر هنري زغيب
قرأْتُ شحوبَ الهلع من اضطراب الخوف في صوت عينَيها المذعورتَين..خائفةً كانت من تَجَدُّد التردُّدات إِثر هزَّة مسائية بعد الزلزال الراعب فجْرَ الإِثنين الماضي... موجوعًا كان ذعرُها، حلوةُ العينَين. كأَنما تتردَّد فيه تردُّداتٌ في كلِّ لبنان.
ماذا أَقول لِـحُلوة العينين، وأَنا أَدري بأَنَّ عيونًا دامعةً كثيرةً كذلك تَرْشَح قلَقًا من تكرار الهزَّة أَو الزلزال، خوف انهيار السقف على الناس ولا مكانَ لهم كي يَهْرَعُوا.
في العادة يلجأُ الخائفون إِلى أَماكنَ آمنةٍ رجاءَ اتقاءٍ من انهيار سقف البيت. ولكنْ... إِلى أَين يَلجأُ الخائفون حين البلادُ كلُّها بلا سقْف حماية، حتى لكأَنَّ زلزالَ الحجَر أَهونُ جدًّا من زلزال البشَر؟
وأَيُّ رجاءٍ بَعد، ولدى أَيِّ سقْف؟
أَيُّ رجاءٍ بَعد، حين رأْسُ الدولةِ الحارسُ المواطنينَ غائبٌ مفقود إِلى أَجَلٍ غيرِ موجود؟
أَيُّ رجاءٍ بَعد، حين الحكومةُ متنازَعٌ على شرعية جلساتها، تسترضي مَن هنا ومَن هناك كي يُسمَحَ لها بعقْد جلسةٍ تُعالج فيها مآسي الناس، كأَنَّ الوقت الآن للبحث في الميثاقية والنصاب، ومَن يحضَر ومَن يقاطِع، ومَن يُسمَح له أَن يحضَر ومَن يُفرَضُ عليه أَن يُقاطِع؟ وأَيُّ أَملٍ يرجى من وزراء لا يملكُون قرارهم لأَنهم حبوبُ مسبحةٍ خانعونَ في يد زعمائهم وأَولياءِ تعيينهم؟
أَيُّ رجاءٍ بَعد، حين مجلسُ النواب متنازَعٌ عليه بين أَحقِّيَّة أَن يُشرِّع أَو قانونيَّة أَنه هيئةٌ ناخبةٌ فقط؟
أَيُّ رجاءٍ بَعد، حين القضاءُ انقصَم ظَهرُه القويُّ فتزعزَعَت به ثقةُ الناس الذين عند النزاعات لم يكن لهم سواه ملاذ؟
أَيُّ رجاءٍ بَعد، حين المواطنُ ضائعٌ تائهٌ بين هبوط الليرة يومًا بعد يوم، ولهيبِ الدولار يومًا بعد يوم، وقلقِ الخبز والمحروقات والدواء يومًا بعد يوم، وذوَبان المعاشات والرواتب والتعويضات يومًا بعد يوم؟
زلزالُ الحجَر يهتزُّ له الحجَر ومَن وراءَ الحجر لكنه يَعبُر، ويعاد إِلى مكانه الحجَر أَو يبنى من جديد بعد معالجة ضحاياه، ثم يَغرق في الماضي يومًا إِثْر يوم، ولكنْ... مَن يعالجُ زلزالَ البشر الذي يهَدِّد المواطنين يومًا إِثْر يومٍ بعدَ يومٍ كلَّ يومٍ بعد كُلِّ يوم حتى كأَنْ لا انتهاءَ من هذا الزلزال وتردُّداتِه التي لا تنتهي ولا في أَيِّ يوم؟
وإِذا الخوف من تردُّدات الهزة يتبدَّدُ يومًا بعد يوم حين تهدأُ الأَرضُ من غلَيانها الثائر، فمَنْ يبدِّد الخوفَ من تردُّدات زلزال البشر وهو لا يتبَدَّد بل يتجَدَّد كلّ يوم، بسبب مسؤُولين غيرِ مسؤُولين، وقياديين شخصانيين، وزعماء أَنانيين، وسياسيين فاشلين في تدبير أُمور الناس ناجحين في تدبير أُمورهم وشؤُون نسْلِهم؟
حِيال هذا الوضع المأْساويِّ الكارثيِّ الزلزاليِّ الرابضِ على هُموم اللبنانيين، ماذا أَقول لِـحُلوة العينَين المذعورةِ من عَودة الهزَّات؟
أَقول لها: زلزالُ الحجَر يمضي، وزلزالُ البشر يقضي بأَن نظلَّ نُعالِـجُه حتى يمضي وينقضي.
زلزالُ الحجَر يُزيلُه البَأْس، وزلزالُ البشر يُديمُهُ اليَأْس. لكننا لن نيأَس، أَقول لِـحُلوة العينَين، لن نيأَس. وسنظلُّ نقاومُ بالكلمة التي هي البدءُ وهي الفعلُ وهي الحكمة.
فتعالَـي معي، ذاتَ صبيحةٍ ربيعيةٍ بيضاءَ كقلبِكِ الأَبيض، نعلو إِلى قمةٍ عاليةٍ فوق، فيها وجهٌ مُغمَضُ العينَين من إِيمان، نَنْذُرُ لديه عهْدًا لنا أَن نَـمضي معًا في دروب العمر، معًا بشجاعةٍ وإِيمانٍ، غيرَ يائسِين ولا متردِّدِين، حتى تنقشعَ الغيمةُ السوداءُ عن حاضرنا، وينفتحَ لنا بابُ الرجاء ندخلُ منه إِلى سعادتنا، فنستاهلُ نعمةَ الحياةِ معًا، و... معًا نستحقُّ لبنان.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا