الكوارث الطبيعية والزلزال الوطني
الكوارث الطبيعية والزلزال الوطني

خاص - Sunday, February 12, 2023 3:09:00 PM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

دقيقة واحدة، كان لها أن تكون خيط الفجر الأول، فكانت مساحة لواحدة من أوسع وأسرع عمليات التدمير والقتل في الزمن المعاصر. تتحارب الشعوب على حدود مرسومة بالحبر على سطح الخرائط، فتهزأ الفوالق من الأقلام، وتفترق التضاريس أو تتلاقى فتهتزّ القشرة الركيكة تحت أقدام من هم أكثر منها رِكَّة فَيَعْرى الإنسان من جبروته، ويفرّ من بروجه المشيّدة ويلجأ إلى الأرض الخلاء محتمياً بِعُرْي السماء بعد أن غدرته السقوف المسلّحة بالحديد والإسمنت، ونبذته البيوت المتداعية بسبب تثاؤب الجيولوجيا أو تجشؤ البحار.

يا للهول إن عبست الطبيعة أو عَبِثت بالثوابت الخداعة، ويا لغرابة الإنسانية التي تُهرع للمساعدة والإنقاذ وتخفيف آثار الكارثة، فيما هي في الوقت عينه، وعلى مسافة غير بعيدة عن الزلزال، تشنّ الحروب وتقتل وتشرّد وتدمّر الكهرباء وتدفن السكان تحت بيوتهم المتهدّمة. يتضامن الناس إذا غضبت الأرض أو تعكّر مزاج المناخ، ولكنّهم يداومون القتال منذ بدء التاريخ كي لا يكون في الناس المسرّة وعلى الأرض السلام، فأية معادلة صعبة تلك التي توحّدنا في النكبات وتفرّقنا عند الخيرات.

دمّر الزلزال تركيا وسوريا وحوّل الوجدان إلى مقابر يستغيث فيها المحاصرون تحت الرّكام، لتبقى الصورة عالقة في أذهاننا حتى تؤينا المقابر.

وضع الزلزال في تركيا وسوريا شرَّه كله، فالتهم البيوت وسكّانها وحضن الحامل التي لفظت أنفاسها بعيد أن لفظت أحشاؤها وليداً بقي على قيد الحياة، فيا للهول مرة أخرى..

أخرجت الأرض أثقالها ثم توقفت عند حدود لبنان بعد أن هزّته هزاً عنيفاً من غير أضرار تُذكر، فأرعبت الناس بلا استئناء وذهب كل إلى هلعه يبحث عن حلّه الخاص، من غير اتّعاظ وانتباه إلى أننا نقيم على هشاشة واحدة مطلقة، وكأنما الإنذار لم يكن كافياً بأنه إذا ارتخت اليابسة فعبثاً يبني البناؤون.

لا أظنّ محازبي التيار الوطني الحر قد اختلفت مشاعرهم عن محازبي المردة والقوات والكتائب والمستقبل وحركة أمل وحزب الله والحزب الاشتراكي، بل إني لعلى يقين أنه لو تضرّرت منطقة - لا سمح الله - لرأينا كشافة هؤلاء في طلائع فرق الانقاذ والإغاثة، فما بالنا نتوحد بالزلازل الطبيعية، ولا نلقي بالاً إلى زلزال المصير الذي سيتعدّى الدرجة العاشرة من مقياس ريختر، لأن مركز بحنّس الذي يرصد حركات الاهتزاز بصورة مستدامة، يرصد أيضاً الزلزال السياسي القادم قريباً الذي لن تنفع معه فرق إنقاذ أو إغاثة، اللّهم إلا بعضَ الشوادر التي قد تحمينا من العناصر وتؤمّن سكن المساكين الذين هُجِّروا عن هويتهم.

قد ينتهي بنا الأمر إلى فلول، بعضها يتحسّر من قلّة حيلته، وبعضها يندم حيث لات مندم، وآخر يتحسّس قوّته الضاربة فلا يجد ميدان قتال، وجماعة ستعاقر عنادها وتقول، وحدنا على حق بعد أن تخلى عنا الآخرون.

لو تشبّثنا بالوطن والدولة لتمكنّا من استئناس الهزّات وركوب الأمواج وترويض الرياح وتوليد الطاقة من الشمس ومن الإرادة.

إن الكوارث الطبيعة على ما تخلّفه من ضحايا ومآسٍ، لهي أخف وطأة من الزلزال الوطني، ذلك أن المشرّد سيلجأ إلى خيمة موقّتة، يغادرها بعد أن يعاد بناء سكنه الذي دمّرته الطبيعة، أما الزلزال الوطني فهو يطيح بدولة عصيّة على إعادة البناء، بحيث يتوزّع أهلها على مخيّمات دائمة، كأنما كتب علينا أن نعود إلى عهود المضارب والعشائر التي رفضت الإقامة في المدنية والحضارة وآثرت العودة إلى أيام السبي والغزو كما تفعل القبائل الرُّحَّل.

جاء في الكتاب الكريم:"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۝ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۝ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا."

مازالت النفس البشرية سراً مغلقاً لا تقاربه إلا العقول المنيرة، والقلوب الكبيرة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني