مارينا عندس - الديار
تحظى الأفلام الوثائقية بأهمية كبرى لدى فئات مجتمعية متنوّعة، وقد تزايد هذا الاهتمام نتيجة تفاعل الناس مع القضايا الإنسانية وغيرها. واليوم يتطلع صنّاع هذه الأفلام للاستفادة من بيانات الجمهور وآرائهم المعلنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لصياغة مضامين الأفلام بالاعتماد عليها. لأنّ السينما أصبحت أداة فاعلة، حيث كانت الشركات تتنافس فيما بينها لتوفير آلات العرض، إذ يعود تاريخ أول براءة اختراع دوليّة للسّينما بشكلها الأوليّ إلى عام 1895، لتتطوّر بعد ذلك صناعة السينما بكل مكوناتها، ثم اليابان وأخيرًا الهند التي تعد هي الدولة الأكثر إنتاجاً للأفلام السينمائية سنويًا. ففضلًا عن كونها من الفنون ذات التأثير الكبير في الوعي الجماهيري، ولبنان غني بمواهبه الفنيّة التي كان لها دور كبير في نشوء الصناعة السينمائية الرّائدة في مصر. ومع أنها مرّت بفترة ازدهار فقد تراجعت بشكلٍ ملحوظٍ منذ اندلاع الحرب العالمية الثّانية.
وها نحنُ اليوم في حربٍ ثالثةٍ إذا صحّ التعبير، بعد أن تخطّت العملة الـ54 ألف ل.ل. للدّولار الواحد، وباتت صفيحة البنزين بمليون ليرة. وبهذه الحالة من سيذهب إلى السّينما بعد اليوم؟ ومن باستطاعته بعد شراء البطاقات التي أصبحت تُباع بـ122 ألف ل.ل. والبوشار بـ130 ألف ل.ل. وهل بمقدار العائلة بعد الآن من حضور فيلمٍ في السّينما؟ ومن المسؤول عن أسعار البطاقات الصّادرة وتعثُر دور السّينما في لبنان؟
السّينما حكرًا على الأغنياء..
تخيّلي لو أنّني سأذهب للسّينما برفقة زوجتي وأولادي الاثنين، لكنتُ دفعت 480 ألف ل.ل. فقط حقّ التّذاكر. ولو أردنا 4 بوشار من دون عصير أو مياه غازيّة 800 ألف ل.ل. في حال أردنا مشاهدة الفيلم مع العائلة. إذًا، «مشوار السّينما» برفقة عائلتي سيكلّفني مليونا ونصف المليون. فهل هذا معقول في بلد الرسالة والحرف؟
هكذا بدأ سيمون كلامه للدّيار، على اعتبار أنّ دخوله السّينما «جنون»، وهو أمرٌ غير مقبول في ظلّ أزمةٍ كهذا. وقال: لو أردنا مشاهدة فيلم، التلفزيون في المنزل «من شو بيشكي»؟ تحضّر زوجتي جاطا كبيرا من البوشار حيث يكلّفنا حوالي الـ30 ألفا، لأنّها لم تضع كمّية الكيس بأكمله، وأنا سأقوم بتحضير عصير البرتقال الفريش، المغذّي والأقل تكلفة.
ويُتابع سيمون: أنا لستُ من محبّي البخلاء أبدًا، عشنا ولا نزال على الكرم والحب والعطاء. هكذا عُرفت العائلات اللبنانيّة أجمع، تحب عطاء وتزويد أولادها بالعلم والمعرفة. نحنُ لا نعاني مع أطفالنا فقط من ناحية عدم ذهابهم للسّينما، إنّما أيضًا الكتب بات سعرها غاليًا بكثرة. وأنا كأستاذ مدرسيّ، وزوجتي كمعلّمة لغة، من اولى اهتماماتنا أن نزّود أطفالنا بالعلم والمعرفة، ولكن حتّى هذه الأمور الأساسيّة بتنا نحسب لها حسابا. صحيح، البعض سيقول إنّ هنالك نسخات pdf تزوّدنا بكل المعلومات عن الكتاب بطريقةٍ رقميّةٍ، والسينما تُستبدل في مشاهدة التلفزيون في المنزل، ولكن سبحان الله لكلّ أمرٍ رونقه الخاص. أتذكّر يوم كنتُ أذهب وزوجتي إلى السينما، منذ دخولنا الصّالة، وهيبة المكان تُسيطر على المكان، لتكون جزءًا لا يتجزأ من الفيلم، تمامًا كزيارة المكتبة وشم رائحة الكتب والمشي بين الخزائن الطّويلة الممتلئة بالكتب المتنوعة والمصفوفة. لا يوجد فعلًا ما هو أجمل من هذه التّفاصيل.
وختم: سنحاول قدر المُستطاع إرضاء أطفالنا وتزويدهم المعرفة والثقافة بالحُب المطلوب، لكنّ الوضع صعبٌ جدًا وبالنا أولًا بتأمين الخبز لهم.
نقيب السنمائيين
وفي حديثه للدّيار، يعتبر نقيب السّينمائيين صبحي سيف الدّين، أنّ السّينما هي نوع من أنواع الفنّ والرّسالة والأدب والأخلاق والإبداع والعمل والوطن والجمال. السّينما جمالٌ كبيرٌ، لا تؤخذ معانيها بالسّطحيّة، إنّما هي أدب وثقافة وانتماء للوطن والثقة بالنّفس واحترام لوجود الإنسان. ولكن كيف تواجه السّينما هذا المواطن اليوم الذي لا يزال يتقاضى راتبه بالعملة الوطنيّة؟ «هيدي شغلة صعبة جدًا!».
وتابع: كلّنا نعلم من المسؤول عمّا يحصل في هذا الوطن، ولماذا يحصل هكذا. وأيضًا لماذا الدّولار بدأ يلعب بمصير كلّ واحدٍ منّا، أكان بنقطة المياه، برغيف الخبز، بالمحروقات، بالكهرباء على الرّغم من أنّ المياه تكمن في أراضينا والزّراعة كذلك، الفواكه محلّيّة والخضار محليّة وبلدنا تغنّى بالكثير من الخيرات داخل أراضيه، فلماذا يحصل الجنون في هذه الأسعار، ومع كلّ هذا الفلتان، الشعبُ نائمٌ.
وأكمل النّقيب: السّينما إبداعٌ وعملٌ طيبٌ وجميلٌ، ولكن لمن سنقوم بعمل السّينما وأين سننتج هذه السّينما؟ الصّالات في الماضي كانت تحتوي على 1000 كرسيٍ، لكنّ اليوم أكبر صالةٍ ربّما ستحتوي على 120 أو 150 كرسيّا. أين المشاهدين؟ أين الزّائرين؟ «بينعدّو عالأصابع». الفيلم عندما يكلّف مئة ألف دولار، نصف أرباح الزّائرين لصاحب السّينما، هذا إلى جانب طلباته الأخرى كالإعلانات لربح الـ15 % بحدّه الأدنى. وهذه الكارثة التي نواجهها، بعكس بعض الدّول العربيّة مثل مصر مثلًا. تقوم مصر بإنتاج فيلم، ومن بعدها طباعة 80 نسخة بشكلٍ تلقائيٍ على المحافظات كافّة، وبأسبوعٍ واحدٍ، يستحصلون على رأسمال الفيلم. نحنُ شعبٌ لم نكن كما نحنُ عليه اليوم، المسؤول نعرف من هو، ومع كل هذا لا زلنا نسكُت.
وعن أسعار البطاقات والبوشار، أجاب: بالتّأكيد الأسعار سترتفع، ليصبح البوشار بـ200 ألف، والبطاقات أيضًا، لأنّ المئة ألف التي كانت تُعيل عائلة، لم يعد لها قيمة أبدًا، وفي نهاية المطاف دزّينة الفلافل تباع بـ150 ألف ل.ل. فما بالكم بالسّينما وتكاليفها؟
وختم: أنا كمخرج سينمائي، قديم وحديث وكنقيب السينمائيين أقول إنّ عددنا يفوق الألفين عضو، منتشرين في جميع أنحاء العالم حيث النجاح والازدهار. أمّا من بقي في البلد، حالته صعبة جدًا وأنا أراها يوميًا هذه الحالات. والمسؤول الأول عن أسعار البطاقات هو صاحب الصّالة، صاحب السّينما وليس المنتج أو المخرج ومن قام بإعداد الفيلم. ومن أين سيربح صاحب الفيلم أتعابه؟ من صالة لا تحتوي على 150 مقعدٍا للأسف، في يومٍ بأكمله لا نرى المئة زائر.