محمد بلوط - الديار
شهد المجلس النيابي أمس، حركة ناشطة للمطبخ التشريعي، اي اللجان النيابية، من خلال سلسلة اجتماعات تناولت ملفات وقضايا حيوية ومهمة، في ظل تفاقم المشاكل الاقتصادية والمالية والمعيشية والصحية والتربوية وحتى العدلية ايضا.
وحضرت في هذه الجلسات مشاكل عديدة للنقاش، بدءا من استقلالية القضاء الذي ما يزال قيد الدرس، مروراً بانهيار الوضعين التربوي والصحي والمخاطر الناجمة عنهما، وحليب الاطفال، والادوية المستعصية وادوية السرطان ووضع المستشفيات.
لكن الابرز، كان في جلسة «لجنة المال والموازنة» النيابية التي ترأسها رئيسها النائب ابراهيم كنعان بحضور حشد بلغ ضعف عدد اعضاء اللجنة، موضوع يهم شريحة كبيرة من اللبنانيين بشكل مباشر وسائر اللبنانيين، نظرا لانعكاساته على الوضع العام في البلاد، وهو قانون تحديد مصير الودائع وحقوق المودعين، ومعالجة الفجوة المالية الكبيرة الناجمة عن الازمة التي ظهرت منذ 3 سنوات في البلاد، نتيجة السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعت على مدى سنوات وسنوات، ونتيجة الفساد واكبر عملية سرقة لاموال الناس حصلت في تاريخ لبنان.
هذه الجلسة هي الثانية ل «لجنة المال والموازنة» لمناقشة اقتراح القانون الرامي الى اعادة التوازن للانتظام المالي، لأن الجلسة السابقة لم تدخل في نقاش الاقتراح، بسبب غياب الحكومة والنائبين اللذين قدما الاقتراح المذكور.
ويشار هنا، الى ان اقتراح القانون هو من «صناعة حكومية»، لم تنكرها مداخلة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي المطولة ، لكنها قدمت بواسطة النائبين احمد رستم وجورج بوشكيان، الذي يشغل اليوم منصب وزير الصناعة.
وعلى عكس الجلسة الاولى، فقد حضر أمس عن الحكومة نائب رئيسها سعادة الشامي ووزير المال يوسف خليل، كما حضر احد نواب الاقتراح الوزير بوشكيان، وهذا ما جعل اللجنة تدخل في مناقشة اقتراح القانون بصورة عامة، قبل الشروع في مناقشته مادة مادة.
ووفقا لاجواء الجلسة وما دار فيها، فقد ظهر موقف نيابي جامع يعارض معظم ما ورد فيه، ويؤكد على اجراء تعديلات كبيرة عليه، خصوصا في ما يتعلق بالحفاظ على حقوق المودعين كاملة، وعدم تحميلهم وزر الانهيار الذي جاء نتيجة مسؤوليات تقع على عاتق الحكومة والمصارف ومصرف لبنان، كما عبر النائب كنعان بعد الجلسة. وشدد نواب مثل حسن فضل الله باسم كتلة «الوفاء للمقاومة» وعلي حسن خليل باسم كتلة «التنمية والتحرير» على وجوب اعادة صياغة كل الاقتراح، لانه «مشنقة لاعدام اموال المودعين» كما عبر فضل الله.
وقالت مصادر نيابية، ان هناك التباسات كثيرة حول عدد من المواد، كما ان هناك ثغرات ومخاطر في بعض المواد بالنسبة لحقوق المودعين، عدا عن بدعة التمييز بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة، وعلى فكرة ضمان مئة الف دولار كحد اعلى، وعدم معرفة او توضيح مصير الاموال الباقية، خصوصا ان صندوق استعادة الاموال لم يتضح مصيره وكيفية انشائه، منذ ان اعلن عنه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي في حزيران من العام المنصرم.
وهذا الامر اشار اليه رئيس لجنة المال، لافتاً الى ان جميع النواب سألوا عنه. ووضع كنعان النقاط على الحروف ايضاً، عندما لفت الى عدم وجود ارقام محددة من قبل الحكومة وهي كلها ارقام تقريبة، كما جاء ايضا على لسان نائب رئيس الحكومة خلال الجلسة.
كما كان واضحا ايضاً في تأكيد كنعان «بأن ما ورد في اقتراح القانون غير مقبول ولا يجوز التعاطي مع جنى عمر الناس كيفما كان، ويجب وقف عملية استغباء الناس».
ووفقاً لمصدر نيابي بارز في اللجنة، فان اقتراح القانون المطروح بطريقة غير مباشرة من الحكومة، يحتاج الى اعادة صياغة او الى نسف العديد من مواده واعادة صياغتها بشكل جذري، عدا عن اهمية توافر الارقام الدقيقة لتقدير الخسائر من اجل توزيعها على الجهات المسؤولة اي الدولة ومصرف لبنان والمصارف وعدم تحميل المودعين أية مسؤولية.
وتقول المعلومات ان نائب رئيس الحكومة قدم مداخلة مطولة، جاء الخبر الاكبر منها تلخيصا لرؤية الحكومة في خطة التعافي، وورد على لسانه كلام بارز حين قال: «اننا في وضع كارثي والازمة بحجم وطن ولم يشهد لبنان مثيلا لها في التاريخ، وحتى في العالم».
واعتبر «ان الازمة ناتجة عن سياسات مالية ونقدية خاطئة»، وبتوصيفه هذا يعترف بان المسؤولية لا تقع على عاتق الناس والمودعين، فكيف يمكن تحميلهم جزءا من المسؤولية بطريقة ام بأخرى، كما ورد في نص الاقتراح المطروح.
وتوقع المصدر ان يطول النقاش حول هذا الاقتراح، وان تأخذ لجنة المال وقتا طويلا لتعديله او اعادة صياغته ومناقشة واستكمال درسه. واضاف «اعتقد اننا بحاجة لسلسلة جلسات متتالية كما فعلنا في مناقشة ودرس مشروع قانون الكابيتال كونترول».
كنعان
واعلن كنعان بعد انتهاء اللجنة «ان النواب اجمعوا على السؤال أين اصبح صندوق التعافي الذي طرحه الرئيس ميقاتي في حزيران عام 2022»؟ موضحا «انه لا أرقام نهائية بل تقريبية بعد 3 سنوات من الانهيار، وما عرضه نائب رئيس الحكومة أصرّ على انه تقريبي، ولا يمكن الركون اليه».
وسأل «على أي أساس يتم الحديث عن توزيع خسائر ولم يتم اعادة تقيـــيم موجودات المصارف او الدولة حتى هذه اللحظة، وقد طلبنا من الحكومة ارسال الارقام المطلوبة رسمياً». واضاف «طلع معنا حق في كل ما حذّرنا منه في لجنة المال والموازنة على مدى 13 سنة وهوجمنا على أساسه». واعتبر «ان الحكومة ومصرف لبنان والمصارف مسؤولون، ولا يجوز استمرار الحديث عن ارقام تقريبية بعد 3 سنوات من الانهيار».
وسأل ايضا «على أي اساس يتم تصنيف الودائع بين مؤهلة وغير مؤهلة؟ ومن غير المقبول ما هو مطروح على هذا الصعيد في الصيغة المقدمة في اقتراح القانون، فجنى عمر الناس لا يجوز ان يتم التعاطي معه كيفما كان». واشار الى «ان هناك تسويفا واهمالا من السلطة في التعاطي مع مسألة هامة واساسية وحساسة هي ودائع الناس وكيفية الحلول لها، ويجب وقف عملية استغباء الناس»، مؤكداً «ان معالجة الفجوة المالية وحقوق الناس ومسألة الودائع اهم خطوة يرتبط بها الكابيتال كونترول والقوانين المالية الأخرى».
أجواء الجلسة ومداخلة الحكومة
] في مستهل الجلسة طرح رئيسها النائب ابراهيم كنعان سؤالا اساسياً حول نية المشترع من اقتراح القانون المطروح، وقال «هل حقيقة الهدف او النيّة تتأمن من هذا الاقتراح اي حماية حقوق المودعين باقصى حدّ ممكن»؟
] وسأل النائب جورج عدوان الوزير والنائب جورج بوشكيان (احد مقدمي الاقتراح) عما اذا كان مكلف بالتحدث باسمه وباسم زميله أحمد رستم.
] ورد بوشكيان قائلا: «كانت الحكومة تطالب وتعمل على تقديم مشروع، وانا كنائب تقدمت به مع زميلي كاقتراح قانون لمعالجة الفجوة المالية وكيفية توزيع الخسائر خصوصا اننا امام مشكلة اقتصادية ومالية. من هذا المنطلق تقدمنا باقتراحنا لنبدأ من هنا، وقد ينقصنا موضوع الارقام، وأنا مستعد لمناقشة اقتراح القانون بنداً بنداً».
] وقدم الشامي مداخلة قال فيها: «حقيقة الكل يجمع اننا في وضع صعب وكارثي، والازمة هي بحجم وطن، وأزمتنا لم يشهد لبنان مثيلا لها في التاريخ، وحتى في العالم. لا اريد ان اذكر باسباب الازمة، ولكنها ناتجة عن سياسات مالية ونقدية خاطئة، والعجوزات في الموازنة وصلت الى دين عام يفوق قدرة لبنان. وعندما أتت الحكومة كان عليها وضع خطة اقتصادية، وتمكنت في المباحثات مع صندوق النقد الدولي من ذلك. واعلن الجميع تأييده للخطة. حتى الرؤساء الثلاثة للاسف كانوا يقولون هذه خطة سعادة السامي. ولقد ارسلنا الى المجلس بعد ذلك خطة مفصّلة في ايلول 2022. ثم اخذ مصرف لبنان الخطة ووضعوها مع محامي المصرف بيار كنعان في اطارها القانوني كمسودة اقتراح. واؤكد ان لا احد يقول انه لا يريد اعادة الودائع».
ورأى الشامي «ان القانون يجب الا يكون متضمنا الارقام لأنها تتغير، مشيرا الى ان الودائع الباقية في المصارف حتى آخر ايلول الماضي هي بقيمة 96 مليار دولار (وهذه ارقام تقريبية) وحكما تغيرت اليوم. ان الارقام في المصارف ومصرف لبنان لا تتجاوز الـ25 مليار دولار».
واشار الى «ان الفجوة المالية كانت كما قدمناها منذ اشهر هي 72 مليار دولار». وقال انه عندما حضر رئيس الحكومة الى المجلس في حزيران الماضي تحدث عن الخطة التي تلتزم بها الحكومة، وهي تنطلق بفكفكة المشاكل واحدة واحدة، ولم نقل اننا شطبنا 60 مليار دولار ابداً من الودائع، ولذلك اقترحنا قانون استرداد الودائع، ولذلك ايضا طرحنا انشاء صندوق استرداد الودائع، وقلنا بالخطة اننا نستطيع ضمانة 100 الف دولار وما عداه نحوله الى هذا الصندوق».
اضاف الشامي: «بالنسبة لمساهمة الدولة، لم نقل ان الدولة ليس لديها التزامات، ولكن حالياً لا تستطيع الدولة ذلك، وهذه تأتي بمرحلة بعد تأمين الموارد للدولة، وهي تستطيع الايفاء ببعض من التزاماتها من الديون، العائدات من الاصول اذا كان هناك وفر فان جزءا منه سيكون لسدّ جزء من الدين».
ودافع عن اللجوء الى صندوق النقد الدولي قائلا: «ان اهمية تعاطينا مع صندوق النقد انه يعطينا مصداقية وثقة خارجية، وان الاتفاق الاولي معه ضمن افضل شروط ممكنة ولأبعد الحدود. ان امامنا مسؤولية تاريخية، واذا لم يحصل الاصلاح فان لبنان ذاهب الى انهيار كبير وخطير».
] وقال النائب حسن فضل الله: «ان من يقرأ ما ورد من الحكومة، يعكس ثقافة سلطة تمدّ يدها على المكان الرخو، وهي مستعدة ان تقدم اموال المودعين، وهي تعكس نية المشترع في هذا الاقتراح في هذا المجال».
ورأى «ان المادة الرابعة من الاقتراح تتضمن موضوعا يحمل الكثير من الالتباس. علينا ان نقول ان السلطات المتعاقبة وليس الدولة تبدو في القانون لا تتحمل المسؤولية. اما بالنسبة لصندوق استرداد الودائع فيبدو وفق ارادة السلطة لن يدخله شيء. ان مطلبنا اما صياغة اقتراح القانون بعد الاستماع الى مداخلات النواب. وهذا الاقتراح بصيغته المطروحة لا يمر أقله بالنسبة لنا نحن، خصوصا انه لا يمكن ان نحمل المودعين اي عبء او خسارة. ويعتبر اقتراح القانون المطروح «مشنقة لاعدام اموال المودعين».
] وقدم العديد من النواب مداخلات في الاطار نفسه اكدت على وجوب اجراء الكثير من التعديلات على اقتراح القانون، وانتقدت الكثير من مواده وبنوده ومنها على سبيل المثال التمييز بين ما يسمى الودائع المؤهلة وغير المؤهلة، والحديث عن توزيع الخسائر دون تقويم موجودات المصارف والدولة وغيرها من الامور المتعلقة بالارقام التقريبية بعد 3 سنوات من الازمة.
] واكد النائب علي حسن خليل باسم كتلة «التنمية والتحرير» بان القاعدة الاساسية لقانون الانتظام المالي يجب ان تقوم على حماية حقوق المودعين بالكامل، وهذا الامر لم يلحظه بوضوح الاقتراح الذي يحمل في طياته الكثير من الالتباسات والامور التي تحتاج لدراسة وتوضيح وهي موضع رفض من كتلتنا لانه لا يمكن السماح بتمرير مثل هكذا قانون سيضع المسؤولية الاساسية عن الفجوة المالية على كاهل المودعين. ونحن طالبنا باعادة صياغة كاملة للقانون تنطلق من هذه الثابتة.