أنطوان الأسمر
يشكل اللقاء الرباعي الفرنسي - الأميركي- القطري- السعودي المزمع عقده في باريس منتصف كانون الثاني، واحدا من المبادرات، الأقل من مؤتمرات، التي تحدث عنها قبل أيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما يشكّل فرصة، إن ضيّقة الأفق، لحفظ الاهتمام الدولي بلبنان لو بالحد الأدنى الذي تتيحه الإنشغالات الكبرى في أقاليم لاهبة وملفات حاسمة.
الثابت حتى اليوم أن الخارج لم يبلور بعد (وربما ليس بالوارد راهنا) حلا للأزمة اللبنانية يفرضه محليا، على غرار آخر الحلول المماثلة، ذلك الذي أنتجته الدوحة في أيار ٢٠٠٨. ولا يبدو حتى الآن أن ثمة توجها شبيها أو قريب الشبه، وهو ما يزيد في تخبط غالبية الأطراف المحليين غير القادرين على المبادرة، ما خلا الحراك الذي يتصدّره رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ويشكل بارقة أمل، من دون أن يحجب ذلك كثرة العثرات.
يُظهر الاستعصاء الحاصل أن لا خروج من الأزمة سوى بإرساء قواعد صلبة للحل التوافقي تقوم على ترجيح خيار رئاسي من خارج الاصطفافات القائمة يُمنة ويُسرة، ينطلق من ثابت محليّ متى تحقّق يتم تدعيمه خارجيا.
تفرض الواقعية إقرار الجميع وتسليمهم بثابتة أن لا قدرة للخارج على فرض معادلة رئاسية لا تحظى باحتضان محلي، تماما كما لا قدرة للداخل على انتاج حل لبناني صرف لا يؤمّن توافق الحد الأدنى الخارجي.
لا شكّ أن تآزر العاملين، المحلي أولا ثم الخارجي، هو الكفيل الأنسب والأضمن والأسرع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فيما الإصرار على اللعب تحت سقف الجمود الراهن، عبر التمسّك بترشيحات عقيمة أو أثبتت مجريات الأمور والتوازنات القاتلة عقمها، ليس سوى قبض ريح لا نفع له ولا منفعة إلا تعميق جراح اللبنانيين وآلامهم وسير - لا هوادة فيه- في مسار تدمير البلد واضمحلاله.
وليس خافيا أن تشتّت موازين القوى النيابية واحد من أسباب الاستعصاء، وإن لم يكن وحيدها.
كما أنه ليس خافيا، وإن يكن مستغربا أشد استغراب، هذا الخوف من دينامية الحوار الجدي والواقعي ومساعي التواصل، ومنها تحديدا ما يقوم به باسيل راهنا داخليا وخارجيا، والمُعتبر الوحيد، فيما باقي الأفرقاء على مواقفهم الجامدة، يكتفون بتعداد أيام الفراغ والإنتظار. وإلا ما هو تفسير استهداف هذه الدينامية وتشويه الغرض منها، تارة عبر تصغير مساحتها، وطورا عبر تصفير نتائجها والإنتظارات منها؟!
مفهوم تماما لدى التيار الوطني الحر التصويب الحاصل من كل متضرر من الحراك، لكن ما يتطلب توضيحا هو الانزعاج الذي أظهره حزب الله أو بعضه أو من يدور في فلكه، وتحديدا من لقاء باسيل برئيس تيار المردة سليمان فرنجية والذي قيل إنه جاء بمبادرة من رجل الأعمال علاء الخواجة.
يثير قريبون من الحزب مغزى قبول باسيل بوساطة الخواجة، فيما كان من المفترض أن يكون اجتماعه بفرنجية استكمالا للافطار الذي أقامه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في رمضان الفائت. لكن يفوتهم أن فرنجية كذلك قبل باللقاء. مع ذلك لم يشمله العتب. وما يزيد الإستغراب الإيحاءات التي تقصّدها المقربون من الحزب والتي أعادت إستحضار طموحات الخواجة ومدى ارتباط وساطته السياسية بمحفظة أعماله في قطاعي المال والطاقة.
يؤكد التيار أن دينامية باسيل واضحة الأهداف، ترمي إلى إيجاد مخرج للأزمة السياسية لا الرئاسية فحسب، من خلال البحث عن سلة تفاهمات، تشمل فيما تشمل، رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، بحيث يشكلان ثنائيا متناغما من أجل بدء مسيرة التعافي، المتعثرة راهنا نتيجة تعطيل القوانين الإصلاحية ومحاولات إفراغها من مضمونها. ولا يكون ذلك سوى باختيار ثنائي نظيف لا تشوبه شائبة فساد مالي أو سياسي، راغب في الإصلاح، غير خاضع أو مستسلم لمنظومة الفساد والإفساد، ليس من لدنها، غير مضطر لمسايرتها.
ويرى التيار أن لا حل للخروج من حال الجمود القاتل والعقم في التفكير والتفكّر والإنتاج، إلا بتكثيف التواصل والحوار، محليا وخارجيا، وطرق كل الأبواب الممكنة، بما فيها تلك غير التقليدية، ربما يتراءى للبنانيين ضالتهم في أحدها أو وراءها.