جهاد نافع - الديار
فلتان امن طرابلس لم يعد يحتمل. الفوضى الامنية في الشوارع والاحياء ، وتفاقم عمليات النشل والتشليح والسلب والقتل، باتت مقلقة جدا، وتوحي بان المدينة على مشارف انهيار شامل يحرم المرء الخروج من منزله، خاصة لحظة غروب الشمس، حيث الاحداث تحصل في اوج الظهيرة فكيف في الليل، ووسط العتمة التي تغرق فيها الشوارع والاحياء؟...
في اسبوع اعياد الميلاد ورأس السنة، استنفرت الاجهزة الامنية كافة: مخابرات الجيش، شعبة المعلومات، الامن العام، الاستقصاء، أمن الدولة وقوى الامن الداخلي، ونزلت العناصر بكامل عددها وعدّتها الى الشوارع، دوريات مؤللة ودوريات راجلة، وحواجز تفتيش امسكت بمفاصل المدينة...
هل بات الوضع الامني ممسوكا؟ الاستنفار الامني الواسع، رغم ظروف انهيار الليرة الذي افقد الرواتب قيمتها الشرائية، كان ضروريا منذ لحظة تفاقم الاحداث الامنية، وفلتان الزعران في شوارع المدينة الذين يعبثون بالاستقرار والامن، وحولوا الاحياء الى مسارح لمسلسل جرائم ونشل وسلب وسرقات، حتى بات المواطن يخشى التجول في الشوارع، والامرأة تحسب الف حساب اثناء تنقلها في الشوارع لراكبي الدراجات النارية الوسيلة الاكثر اعتمادا للنشل...
حوادث طرابلس الامنية، انعكست سلبا على حركة الاسواق التجارية، فليس انهيار القيمة الشرائية لليرة، وغلاء الاسعار وحده السبب، بل الفوضى الامنية التي أقلقت المواطنين وساهمت في تراجع الحركة التجارية وخفضت من وهج الاعياد، رغم ما قيل ويقال عن توفر العملة الاجنبية بايدي المواطنين الناجمة عن مساعدات المغتربين لعائلاتهم، الا انها مساهمات «بحصة تسند خابية.»..
امس الاول، كان مشهد عشرات العناصر لدورية شعبة المعلومات الراجلة في شوارع طرابلس ليلا لافتاً، وسبقته دوريات لباقي الاجهزة الامنية من مخابرات الجيش وأمن عام واستقصاء وأمن دولة. دورية راجلة عمدت على تفتيش دقيق للسيارات وسائقيها وللدرجات النارية، وحملة استهدفت المشبوهين والمطلوبين وتجار المخدرات ومروجيها ومتعاطيها...
مخابرات الجيش تلاحق تجار الاسلحة التركية المتفشية في اسواق طرابلس، وتوقف عددا منهم وتصادر اسلحة وذخائر، وشعبة المعلومات توقع تجار مخدرات بمصيدتها، والحبل على الجرار...
حملة امنية لاقت ارتياحا واسعا لدى المواطنين، وردت بعض الروح والامان الى شوارع المدينة، لكن تلاقت مواقف معظم المواطنين على موقف موحد هو أن تستمر هذه الحملة، وتتواصل، وليس أن تنحصر بمناسبة اعياد او مرحلة آنية، فالمدينة باتت تحتاج الى خطة أمنية محكمة حازمة تبدأ بملاحقة المرتكبين الخارجين على القانون، لا سيما النشالين وتجار المخدرات والمروجين وحملة السلاح المتفلت المنتشر بكثافة.
وقد لفت الاهالي الى ان حملة الدوريات الامنية الراجلة، التي عمدت على تمشيط واسع للشوارع كانت ناجحة للغاية، اذ اسفرت عن توقيف عدد كبير تجاوز ال٣٥ مطلوبا في يوم واحد ، والمطلوب ان تشمل الحملة الامنية مناطق الشمال، لا سيما عكار التي تتفاقم فيها عمليات النشل والنهب والسرقات، وتفشي ظاهرة المخدرات بشكل خطر.
كما رأت اوساط الاهالي ضرورة التشدد بملاحقة حركة الدراجات النارية التي تستعمل في عمليات ترويج المخدرات، وعمليات النشل في الشوارع خاصة في اسبوع الاعياد، شرط ان لا تتوقف هذه الدوريات التي من شأنها ان تبسط الامن والامان في الشوارع.
والسؤال الذي يطرح في الاوساط الشعبية هو: اذا كانت الدوريات الامنية باشرت مهامها لاعادة الامان الى شوارع المدينة، فأين هي دوريات وزارة الاقتصاد لضبط الامن الغذائي والمعيشي للمواطنين، في مدينة لا يقتصر الفلتان فيها على الامن، بل يتعداه الى فلتان في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، وفلتان في اسعار الادوية والطبابة والاستشفاء؟ اين وزارة الاقتصاد من هذا الفلتان الذي لا يقل اهمية عن الامن؟؟
لا يختلف اثنان ان هبوط سعر صرف الدولار، لم ينعكس هبوطا في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي ثبتت على اساس سعر صرف الدولار ٤٨ ألف ليرة لبنانية... لكل «سوبرماركت» تسعيرته الخاصة به، ودولاره الخاص وفق المزاج الشخصي، وغير مكترثين بضمير، وبوزارة اقتصاد تراقب وتحاسب، ولا بشكل دولة قائمة...
لكل تاجر دولاره وحساباته واسعاره الخاصة، وبات الفارق بسعر سلعة ما بين «سوبرماركت» وآخر، ومحل تجاري وآخر في طرابلس والشمال، يتجاوز الفارق من عشرين الى خمسين ألف ليرة. بوقاحة موصوفة دلالة على مظاهر انهيار دولة باجهزتها الرقابية العاجزة عن تسيير دوريات وضبط حركة الاسواق والصيدليات والمستشفيات...
وفي ظل الواقع المأساوي الذي تعيشه البلاد عامة، والشمال بشكل خاص، وغياب اجهزة الرقابة، تغيب القوى والتيارات السياسية الغارقة في انقساماتها وخلافاتها، وفي طليعة الغائبين النواب الذين يحصرون اهتماماتهم بظهور اعلامي وتصريح خجول من هنا او من هناك من ابراجهم العاجية، حيث سياراتهم الفارهة بزجاجاتها الداكنة( المفيمة)، تحجب رؤية واقع الناس الذين تنحصر الاهتمامات بهم كمطية عبور الى كراسيهم، حسب ما يتداوله العارفون والمتابعون لحركة نواب طرابلس وعكار والشمال كله، التي تحولت الى حركة تخلو من البركة، على قول أحد الناشطين الاجتماعيين في الشمال.