النهار
النهار" تقول: في الأيام الأخيرة من السنة 2022، لم يكن غريبا ان تتفجر وقائع الفوضى العشوائية التي تدار عبرها دورة الخدمات الأكثر حيوية من المحروقات الى تسعير الدولار الى الكهرباء في ظل فضائح مكشوفة لم يعد يرف لها جفن من مثل تحكم كارتيلات المحروقات وانصياع او تواطؤ السلطات المالية والمصرفية العليا معها بكسر قرارات لمصرف لبنان بالكاد أعلنت قبل ساعات، فاذا بها تسقط بضربة الكارتيلات القاضية في تسعير المحروقات. هذه الحال الفوضوية الفضائحية في ان واحد، لم تكن جديدة على اللبنانيين طوال السنة التي بدأ العد العكسي لساعات احتضارها الأخير، ولكنها عشية نهاية السنة الحالية وبدء السنة الجديدة اكتسبت طابع الامعان في كشف الواقع المزري الذي يعيشه اللبنانيون تحت وطأة اقصى درجات التفلت بل التحلل الذي يضرب كل معالم الدولة والمؤسسات وخصوصا في القطاعات “العاصية” على أي لجم فكيف مع تصاعد الشبهات والشكوك في الجهات المحكمة قبضتها على لعبة تناتش المصالح الخفية التي تتلاعب بالأسواق المالية والمصرفية وأسواق المحروقات وما اليها؟
ولكن السنة لن تطوى على المشهد الجنوني الخدماتي وحده، اذ لاحت أيضا معالم احتدام سياسي متعدد الاتجاهات متصل بأزمة الفراغ الرئاسي وسط تزايد الموشرات الى انعدام افق أي انفراجات محتملة او بروز أي مبادرات جدية تحمل الحد الأدنى من القدرات الموضوعية على تبديل مشهد الانسداد وفتح كوة في جداره في وقت منظور. ولذلك فان حركة الزوار من المسؤولين الأوروبيين للبنان في الأيام السابقة والمقبلة، لم تخرج عن اطار تفقد وحدات الدول المشاركة في قوة “اليونيفيل” لمناسبة الأعياد وتاكيد مواقف هذه الدول من ضرورة التعامل بحزم كامل مع ملف ملاحقة ومحاكمة المتورطين في الاعتداء على الوحدة الايرلندية، واما الملف السياسي الرئاسي فانه لا يبدو محور هذه الحركة ولو ان المسؤولين الاوروبيين الزوار يطرحون تساؤلات عدة عن مصير البلاد في ظل تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية ويحذرون من التداعيات المتصاعدة للفراغ الدستوري.
في هذا السياق وبعد زيارة رئيس الوزارء الاسباني اول من امس يصل اليوم الى بيروت وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو في زيارة تستمر حتى 2 كانون الثاني يلتقي خلالها افراد الوحدة الفرنسية العاملة في قوة “اليونيفيل” ويمضي معهم ليلة رأس السنة. ومن المتوقع أن يلتقي لو كورنو رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون.
ومن غير المستبعد ان ينقل لوكورنو رسالة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى المسؤولين الذين سيلتقيهم تؤكد ضرورة عقد الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن وتشكيل حكومة والمضي ببرنامج الاصلاحات.
العودة الساخنة
واما المشهد السياسي فشهد امس، اعنف عودة للسجالات المباشرة بين “التيار الوطني الحر” وعين التينة منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون. وتفجر الاشتباك الكلامي عقب مقابلة الرئيس عون على قناة “او تي في” مساء الأربعاء حيث هاجم بري واتهمه بعرقلة عهده وبتجميد تنفيذ عشرات المشاريع والقوانين. وسارع بري الى الرد على عون بنبرة لاذعة فقال “بدءا وبدلاً من أن نقول كل عام وأنتم بخير ألزمتني لأقول لك ما يلي: لم تكن بحاجة لمن يعرقلك فقد وعدتنا بجهنم ووفيت وكفيت. للذكرى وليس للحنين 74 قانوناً صدر ولم تنفذ وليست في الجوارير، أولهم وليس آخرهم الكهرباء. حرمتنا رؤية النجوم ليلاً وشوفتنا نجوم الظهر”.
في المقابل بدا لافتا في الأيام الأخيرة تصعيد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” سمير جعجع هجماته العنيفة على “محور الممانعة”. وهو مضى امس في حملته الحادة فاعلن “أننا سنمضي قدماً في معركة رئاسة الجمهوريّة في النهج ذاته، ولا يظن الفريق الآخر أننا من الممكن أن نقبل بأي مرشّح له، حتى لو قاطع انتخابات رئاسة الجمهوريّة على مدى عشر سنوات، لسبب بسيط أننا نرفض إطلاقاً المساهمة بأي أمر من الممكن أن يكون سيئاً بحق البلاد”. واضاف “نريد رئيساً للجمهوريّة يكون بالحد الأدنى رئيساً للجمهوريّة وهذا ما نعمل من أجله ولا طريق أمامنا لإدراكه سوى الاستمرار بمحاولة جمع كل من هم ضد الفريق الآخر، ولو أن الأمر ليس بالسهل ولكن ما من طريق آخر متاح أمامنا للخلاص في الوقت الراهن”.
واستطرد “بعد ترك الأمور تتدهور في البلاد دون القيام بأي شيء، هؤلاء أنفسهم، الـ61 نائباً، يعطلون انتخابات رئاسة الجمهوريّة في الوقت الذي يعي القاصي والداني والكون أجمع أن الخطوة الأولى على طريق الإنقاذ الحقيقي هي الإتيان برئيس جمهوريّة مقبول بالحد الأدنى، ولا نطالب أبداً بالحد الأقصى ولو كنا نريد ذلك فالجميع يعرف من كنا لنرشّح.” وجدد أن “من يعطل انتخابات رئاسة الجمهوريّة هو فريق محور الممانعة، أي “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وحلفائهما، وكل منهما له سببه الخاص فبالنسبة لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل فهو ما زال يعتقد أنه يجب أن يكون هو الرئيس والصورة في رأسه واضحة جداً أي أنه انطلاقاً من النجاح الباهر الذي حققه كونه كان رئيس الظل منذ العام 2016 حتى العام 2020 يجب أن يتم التجديد له مرّة إضافيّة… أما بالنسبة لـ”حزب الله” وحلفائه فالسبب هو عدم قبولهم بأي رئيس سوى ذاك الذي يحمي ظهر المقاومة لو أنه سيكسر ظهر لبنان”.
كما ان “التيار الوطني الحر” هاجم ليلا الرئيس نجيب ميقاتي واتهمه “بعملية تزوير في اصدار مراسيم لا ميثاقية ولا دستورية ولا قانونية”. واعتبر ان “هذا الأسلوب الاحتيالي لم يألفه لبنان في تاريخه”.
ورد المكتب الإعلامي لميقاتي على “التيار” ووصف بيانه بانه “استكمال للافتراءات” معتبرا ان “من صاغ بيان التيار لا يقرأ الا في كتاب تعطيل عمل المؤسسات وادخل عليه بندا جديدا هو تصفية الحسابات السياسية وغير السياسية مع المؤسسات العسكرية والأمنية”.
“السوق السوداء”
اما في المشهد المعيشي والخدماتي، فبدا واضحا ان “فوضى سوداء” تتحكم بالوضع كلا وليس السوق السوداء وحدها. فغداة الهبوط القياسي في اسعار المحروقات بعد بيانات وتعاميم حاكم مصرف لبنان عادت هذه الأسعار بلمح البصر الى الارتفاع على وقع التراجع في الزام شركات استيراد وتوزيع المحروقات بأسعار الدولار على سعر صيرفة وتقرّر رسميا اعادة تسعير المشتقات النفطية على اساس دولار السوق السوداء. وصدر امس جدول تركيب الأسعار عن وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط وقد سجّل فيه سعرُ صفيحة البنزين زيادة 80 ألف ليرة وصفيحة المازوت 90 ألفاً، أما قارورة الغاز فارتفعت 53 ألفاً. وفي حين أعلنت وزارة الطاقة أن تسعيرة المحروقات عادت إلى السوق الموازية بعد طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومصرف لبنان، أوضح ميقاتي ان “الوزير طلب تغطية رئيس الحكومة لقرار التراجع عن اعتماد السعر الجديد الى حين انتظام عمل المصارف وفق آلية التسعير الجديدة لصيرفة”. واكدت نقابة أصحاب محطات المحروقات أن الجدول الجديد لتركيب اسعار المحروقات صدر وفقاً للآلية التي كانت معتمدة قبل تعميم المصرف المركزي، باحتساب سعر صرف الدولار عملاً بالأسواق الموازية وليس بسعر “صيرفة” حيث كان من المستحيل شراء الدولار من المصارف لزوم المحطات.
الى ذلك برزت ازمة متجددة بين وزارتي الطاقة والمال حول تمويل استيراد الفيول اذ اشارت معلومات الى انه بعد دراسة ملف الكهرباء من جانب وزير المال يوسف خليل والمعنيين، من أجل فتح اعتماد تمويل شراء مشتقات النفط من شركة vitol bahrain لزوم تشغيل معامل انتاج الطاقة في مؤسسة كهرباء لبنان تبيّن أن مبلغ السلفة المقدر بـ62 مليون دولار لا يمكن صرفه إلاّ بمرسوم حكومي . وعقد وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض مؤتمراً صحافياً اتهم فيه وزارة المال بانها لا تعطي القرار لمصرف لبنان بصرف الأموال” .
وأشار فياض إلى ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أكّد توفّر المال متمنّيًا أن تحجز هذه الأموال لتوريد الفيول. وأضاف: “يجب إما تأمين سلفة الاعتماد لنتفادى الهدر أو أن توضع النقاط على الحروف فنلغي الموضوع من أساسه”.
وردت وزارة المال فلفتت الى “ان الفارق كبير بين توافر الاموال، وبين وجود ضمانة وسند قانوني، بخاصة ان المبلغ الكبير المطلوب تأمينه يتطلب مرسوما يوقع عليه رئيس الحكومة والوزراء المختصون وهو ما ليس متوافرا. ناهيك عن ان مؤسسة كهرباء لبنان لم توقع تعهداً باعادة اي سلفة يتم اقرارها كما يفرض قانون المحاسبة العمومية، لا بل حتى انها نأت بنفسها عن سدادها”.