ميشال نصر - الديار
بين برودة الطقس المسيطر على لبنان منذ ثلاثة أيام، وبرودة المناخ السياسي المتأثر بعطلة الميلاد، لم يمنعا ان تشهد الساحة عملية غربلة رئاسية، بطلاها الصرح البطريركي وحارة حريك، فالاول لم تخف مصادره امكان ان تثمر الجلسة القادمة انتخاب رئيس للجمهورية في حال نجحت الاتصالات الجارية، والثانية التي اعلن نائب امينها العام مواصفات جديدة للرئيس اهمها إلمامه بالممارسة السياسية، ما فسر على انه تصفية للاسماء التي يمكن ان تكون على اللائحة النهائية للمرشحين، مفتتحا بذلك مرحلة جديدة من حرب الاسماء.
كل ذلك وسط مشهد مالي لافت، حيث يقود حاكم مصرف لبنان هجوما مضادا، نجح في فرملة مؤقتة لسعر صرف الدولار، رغم انعكاس الاجراءات المتخذة على غالبية الطبقة العاملة والموظفين، بعدما باتت رياح صيرفة المتحكم الاول بفواتيرهم.
غير ان اللافت خلال الايام الماضية، الموقف المفاجئ للرئيس الفرنسي الذي اطلقه عشية الغاء زيارته الى لبنان، والتي اعلن فيه انه "صار الوقت على الطبقة السياسية ان ترحل"، وهو ما كان اعلنه خلال زيارته الاولى الى بيروت بعيد تفجير مرفأ بيروت من قصر الصنوبر، بناء لاتفاق مع الاميركيين، قبل ان تفتح باريس "عا حسابها" مستفيدة من الاوضاع الداخلية الاميركية.
وعليه تعتبر مصادر ديبلوماسية، ان الموقف الاخير للاليزيه يؤشر بما لا يقبل الشك ان باريس في طور اعادة التموضع على الساحة اللبنانية، خصوصا بعد فشل مؤتمر الاردن الذي انعقد برعايتها وانتهى الى "صفر نتيجة"، ونبأ خروجها من المنطقة في حال لم تستدرك خياراتها واصطفافها.
واعتبرت المصادر ان سقوط الدور الفرنسي نتج عن امرين اساسيين:
- الاول : الاتهام الايراني لفرنسا بالوقوف وراء احتجاجاتها الداخلية،ما عرقل الدور الفرنسي في كل من لبنان والعراق.
- الثاني: الامتعاض الاميركي من الاندفاعة الفرنسية "المفرطة" في ملفات المنطقة، وهو ما تبلغه الرئيس الفرنسي في اكثر من رسالة اميركية، وخلال لقائه مع الرئيس بايدن في قمة واشنطن ،والتي بدا واضحا تماما من التصاريح التي ادلى بها سيد الاليزيه ان ثمة خلافات جوهرية، رغم انه حاول التماهي مع الاميركيين في الموضوع الايراني وفي الموقف من سوريا.
ورأت المصادر ان فرنسا اوضحت اكثر من مرة للاميركيين وللفاتيكان، ولجهات لبنانية تواصلت معها، انها ملتزمة في حركتها اللبنانية سقف البيان الثّلاثيّ الأميركيّ – السّعوديّ – الفرنسيّ من جهة، وورقة المبادرة الكويتيّة التي أقرّتها جامعة الدّول العربيّة ومجلس دول التّعاون الخليجي، وتبنّتها مجموعة الدّعم الدّوليّة الخاصّة بلبنان من جهة ثانية، وانها لم تسع الى عقد اي صفقات، وهو ما لم يقنع الولايات المتحدة الاميركية.
وتتابع المصادر ان واشنطن لم تكن راضية عن مسار السياسة الفرنسية، والتسويات الموضعية التي عقدتها في اكثر من ملف، والتي قدمت فيها مصالحها الاقتصادية على حساب الصراع في المنطقة والتوازنات، وصلت حد التسويق لتسويات دستورية في لبنان، تقوم على رعاية مؤتمر تاسيسي تحت شعار العقد الاجتماعيّ الجديد، في تحالفها مع الشيعية السياسية.
واشارت المصادر الى ان باريس وجدت نفسها "منجرّة" ابعد من اللزوم في تفاوضها مع حارة حريك، وتقديمها مجموعة من الضمانات التي لم يوافق عليها الاميركيون، ومن ضمنها طبخ تسوية رئاسية-حكومية لا تتوافق والمصالح الاميركية، ما دفع بواشنطن الى التحرك مباشرة، بعدما امسكت بشركة "توتال" وانجزت اتفاق الترسيم بين لبنان و"اسرائيل".
وختمت المصادر بالقول ان زيارة الرئيس ماكرون التي اعلن عنها لم تأت من فراغ، فهو كان اعدّ العدة لزيارة بيروت، معتزما اطلاق موقف مهم وحاملا معه عيدية للبنانيين، بعدما كان تقدم بعض الشيء في مفاوضاته ونقاشاته مع الاطراف المعنية، وبعدما كان حقق نجاحا في تمرير خروج هادئ للرئيس ميشال عون من بعبدا، وتمرير عدم تشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات دون اشكالات، كما نجاحه في ضبط حركة الشارع التي كانت شرطا اساسا على طاولة التفاوض.