أنطوان الأسمر
مرّت المواصفات الرئاسية الثلاثية التي وضعها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من غير أن تأخذ الحيّز اللازم الذي تستأهله، لا سياسيا ولا اعلاميا.
حدد قاسم في تغريدة له في 10 كانون الأول ما سماه "ثلاث مواصفات (رئاسية) أساسية: أولاً رعاية خطة للإنقاذ الاقتصادي المالي، ثانياً القدرة على التواصل والتعاون مع كل الأطراف الموجودين على الساحة، ثالثاً أن لا يكون استفزازياً بل يعمل بهدوء لمعالجة القضايا الخلافية". وأغفل في الوقت عينه مواصفة حماية المقاومة التي سبق أن وضعها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أولوية مطلقة ووحيدة.
يتبيّن من تغريدة قاسم أنه جعل رعاية خطة الإنقاذ مواصفة متقدّمة بين المواصفات الثلاث، وهي إلى حدّ كبير لا تتوافق مع مرشّحه الرئاسي زعيم تيار المردة سليمان فرنجية من دون الحاجة الى الغوص كثيرا في هذا الصدد. والأمر نفسه ينسحب تماما على مواصفتيّ القدرة على التواصل مع كل الأطراف المحلية وعدم الإستفزاز، باعتبارهما غير قابلتين للصرف لا مع التيار الوطني الحر ولا مع القوات اللبنانية، وهما المكوّنان المسيحيان الرئيسيان اللذان يصعب بل يستحيل انتخاب رئيس من دونهما، أو أحدهما في أضعف الإيمان، إلا متى عاد الزمن الى ما قبل سنة 2005.
فهل ثمّة تغيّر عند حزب الله في مقاربته الرئاسية، ربطا بالاستعصاء الحاصل وبابتعاد مرشحه فرنجية عن الصدارة، كما كان حاله قبل أشهر؟
لا يُخفى أن ثمة جهات ديبلوماسية وسياسية تدقّق في خلفية كلام قاسم ومدى قابلية أن يشكّل بداية مسار للخروج من ترشيح فرنجية.
ومع إدراك هذه الجهات صعوبة هذا الأمر في هذا التوقيت بالذات، لكن هذا الخيار ليس مستحيلا. فهي تعتقد أن المسار الذي يعتمده حزب الله راهنا، أي الورقة البيضاء في المجلس النيابي بانتظار نضوج ظرف انتخاب فرنجية، ينطوي على مخاطر، ليس أقلها تعويم خيارات أخرى، لا سيما خيار قائد الجيش العماد جوزاف عون.
وتكشف الجهات عينها أن الحزب الذي أدرك قبل غيره الدينامية الدولية الحاصلة بالواسطة القطرية لتسويق ترشيح قائد الجيش، أطلق قبل أسابيع قليلة ديناميته الخاصة بتسويق ترشيح فرنجية من دون أن يصل إلى تبنّيه جهارا. واستند الحزب إلى مجموعة من الأذرع السياسية والإعلامية التي راحت على مدى أسبوعين تظهّر ترشيح فرنجية باعتباره خيارا راجحا وتوافقيا خلاف الخيارات الأخرى، وخصوصا النائب ميشال معوّض، وتنبّه في الوقت عينه التيار الوطني الحر من أن عدم اصطفافه مع الخيار الرئاسي لحزب الله سيقدّم ترشيح قائد الجيش، مع ما يعني هذا الخيار من ضرر على التيار وقيادته مع الأخذ في الاعتبار تأثّر جمهوره وقواعده بالمؤسسة العسكرية، بما يعني أن هذا الخيار يؤدي حتما الى تآكل في التيار هو في غنى عنه.
ما يحصل راهنا ان الديناميتين الدولية والحزباللوية في استراحة، ربما موقتة. ولا يُحجب عن كلا الراعيين إمكان أن تنفي الواحدة الأخرى، بمعنى أن تتراجع حظوظ فرنجية وعون في حال استمر الكباش الحاصل، فيفقد الإثنان صفّة التوافق أو المرشّح الجامع. ربما لهذا السبب هدّأ حزب الله ماكينته، واستكان نسبيّا الحديث عن التسوية الخارجية بالواسطة القطرية.
في الموازاة، انخفضت السقوف العالية محليا، وكذلك فعل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بعد الأزمة التي تسبّب بها بإصراره على عقد جلسة لمجلس الوزراء متحدّيا التوافق، وناقضا الإتفاق الذي جرى تكريسه في مجلس النواب في 3 تشرين الثاني، وكان هو شخصيا شاهدا عليه وله في كلمته، حين تعهّد بالتشاور المسبق مع كل مكونات الحكومة، وهو ما لم يفعله، مكتفيا على ما ظهر بالتغطية التي أمّنها له الثنائي الشيعي.
ويبقى لافتا في سياق الخيارات الرئاسية لميقاتي ما تردّد عن تحبيذه ضمنا وعمليا خيار قائد الجيش.
تشرح مصادر معنية ان تأييد ميقاتي العلني لفرنجية يأتي في إطار مناورة يتمسّك بها، بحيث يُبقي الوصل قائما مع كلّ من المرشَّحَيْن المُعلنَيْن تحسّبا للإحتماليْن. لكنه يفضّل ضمنا لا بل يعمل متى استطاع لمصلحة ترجيح خيار العماد عون لاعتقاده بأن هامش العمل معه أكبر بكثير من ذلك المتاح مع فرنجية، بحيث يشكّلان معا ثنائيا قابلا للإنجاز في العهد العتيد. وتلفت الى أن ميقاتي يخشى أن يؤدي انتخاب فرنجية الى إحياء معادلة رئيس للجمهورية من 8 آذار ورئيس للحكومة من 14 آذار، وهو بالتأكيد لن يجد له مكانا في هذه الحال.