النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
من عادتي ألا أعقّب على شتيمة أو افتراء.. لهذا ضربت صفحاً عن شخص لا أعرفه، علّق على مقابلة تلفزيونية لي مع الإعلامية روند أبو ضرغم في تلفزيون الجديد منذ أسبوعين، بأسلوب مستغرب؛ ولكنني أعود اليوم إلى ذلك التعليق ليس رداً على القائل، بل توكؤاً عليه في موضوع مقالة اليوم. فلقد أخذ علي ذلك الشخص أنني أسأت الأدب مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فوصفته بأنه "بيّاع كلام" عندما أشاد بالمرشح للرئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية، وأنني تماديت في التقليل من شأن مقام رئيس الحكومة، في حين كان كلّ ما قلته أنّ الرئيس ميقاتي ليس نائباً وليس لديه كتلة نيابية، فاكتفى من تفضيله للمرشح فرنيجة بكلام العاطفة والمجاملة، فهل في هذا خروج عن الأدب، فيما يرصّع الأدب العربي بيت مشهور من الشعر:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ
فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحال
ربما كان ذلك لسان حال الرئيس ميقاتي مع بعض الفوارق "الطفيفة" غير أنّ الشخص ذاته ما لبث أن خلط شعبان برمضان، إذ أنه بعد أن قرّعني على قلة ذوقي تجاه الرئيس ميقاتي عاد فوصفني بأنني شاعر بلاط آل الميقاتي، بما أضحكني كثيراً، وأضحك آل الميقاتي أكثر، فهم ليس لديهم بلاط، وليسوا من هواة الشعر، ولو نزلت عليهم تلك الهواية لما اختاروني شاعراً لبلاطهم، لمعرفتهم القديمة أنني ميّال في شعري إلى الهجاء.
هذه المقدمة أسوقها من باب المداعبة، ومن باب نفي الشبهة أيضاً، لأنّني في السطور الآتية لا أدافع عن الرئيس ميقاتي، ولا عن مقام رئيس مجلس الوزراء بل عمّا تبقّى من حِسِّ المسؤولية ورجاحة العقل، وبقايا من الشعور الوطني لدى من ادعى القيادة.
فأبدأ بالرئيس ميقاتي لأقول إنني لو كنت من بلاطه لأشرت عليه بجدول أعمال رشيق كي لا يضطر من بعد إلى ترشيقه، ولطلبت إليه أيضاً أن يستوثق من أنّ شيطان الليل لا يوقظ "الوزراء النيام"، كما تمّ وصفهم، بإثارة النعرة المقيتة، ويدبّج لهم بيانهم الذي أنكر تاسعهم علمه به لحسن الحظ، علماً أن سابقيهم قبلوا توقيع استقالاتهم من الوزارة قبل تشكيلها.
وأستطرد فأخاطب بعض الإعلام السيادي راجياً إياه أن يدقّق بعظة غبطة البطريرك الراعي بدلاً من تحريف معناها وسنّ كلماتها لتكون رأس حربة ضد جلسة تعقد من أجل الضرورة البحتة، لأن غبطته أول العارفين بأنّ مقام رئاسة الجمهورية لا يُصان على الإطلاق بارتكاب جريمة ضد الإنسانية، هي جريمة الامتناع عن تأمين الدواء، بل هو وَضَعَ الجريمة المشار إليها في مصاف الجريمة الدستورية الوطنية التي يرتكبها أدعياء الشرعية بتعطيلهم الانتخاب ووضع المصير في أرجوحة الابتزاز والأحلام المريضة والمستحيلة.
هل يطمئن سدنة "العيش المشترك" إلى اضمحلال السلطة وتوقّفها عن تسيير المصالح، وهل يظنون أنهم بفحيحهم يصونون الدستور من العبث؟ هل الدستور ورقة مجردة، أم آليات وسلطات وصلاحيات ودليل حكم؟
روى لي أحد النواب الحزبيين أن نائباً وزميلاً له في الحزب شكا من أنه لا يملك سيارة، فأصدر الحزب قراراً بشراء سيارة تكون في خدمة النائب المذكور، ولكنّ الزمان طال ولم تحضر السيارة، وكلّما ذكَّر القيادة بالأمر، أجابته لا تقلق فلديك القرار، إلى أن طفح كيله مرة وقال غاضباً: "لكنّي أريد أن أركب السيارة، لا أن أركب القرار"، ولكنه مع الأسف لم يحصل على السيارة الموعودة، بل فقد مقعده النيابي بعد ذلك، ولكن بقي القرار في حوزته.
ومن التراث الطرابلسي أن شخصاً اشترى "معلاقاً" مؤلّفاً من القصبة السوداء والطحال والفشّة، طلب إلى اللّحام أن يكتب له ورقة تتضمن وصفة طبخه وشيّه والبهارات التي تستعمل، فقبض على الورقة، وسار في الطريق تاركاً المعلاق يتدلى من يده، فخطف الهرّ صيده الثمين وولّى... نبّهه المارة إلى ذلك، فما أبه لما حدث بل اكتفى بالقول مبتسماً، وكيف يطهو الهرّ ما سرقه فيما ورقة المعلاق لازالت معي؟!
أيها السادة إن التمسك بورقة المعلاق يستوجب أيضاً حماية المعلاق من شراهة القطط الضالة.