ابتسام شديد - الديار
لم تهدأ بعد مفاعيل المؤتمر الصحافي للنائب جبران باسيل وعلى الأرجح سوف تستمر ردود الفعل والتفسيرات له إلا إذا نجح حزب الله في تبريد حرارة الخلاف الذي بلغت شرارته تفاهم مار مخايل ، فبالنسبة الى كثيرين لم يكن ما قاله باسيل خارج دائرة التوقعات ردا على انعقاد جلسة حكومية رفض حصولها كما ان جزءا كبير من كلامه جاء مطابقا لحالة التشنج السياسي المرافقة للأزمات السياسية المتشعبة.
وعليه لم يكن منتظرا من رئيس تكتل لبنان القوي إلا ان يرفع مستوى خطابه لعدة عوامل أبرزها شد العصب المسيحي المتراخي من حوله بعد أزمة انتهاء الولاية الرئاسية للرئيس ميشال عون ولأن باسيل كما يقول سياسيون «مزنوق» سياسيا ومنزعج من مسألتين، أولهما دعم الثنائي الشيعي لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية و ما حكي عن اقتراب التخلي عن الورقة البيضاء لترشيحه، والمسألة الثانية متعلقة بعلاقة الثنائي ببعضه حيث ينقل عن العارفين ان باسيل اشتكى أكثر من مرة مؤخرا من انحياز حزب الله لرئيس المجلس نبيه بري في العديد من المسائل وتفضيله الدائم خوض المعارك والمواجهات الى جانب بري وهذه النقطة باتت تثير حساسية الفريق العوني لقناعة ثابتة بأن هناك جبهة سياسية تتشكل ضد التيار لعزله سياسيا و»رئاسيا» تأسست قبل خروج الرئيس عون من القصر الجمهوري من قوى مسيحية تقوم بالتنسيق مع أحد أطراف الثنائي والمختارة وطبعا مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
من هنا تؤكد مصادر سياسية ان إعتراض باسيل أبعد وأكبر من جلسة حكومية بل كان مخططا له وجاء نتيجة طبيعية لارباك الأخير وتخبطه في الملفات الداخلية خصوصا انه بات على خصومات مع كل القوى السياسية إلا ان الأهم أنه جاء استباقا لما تردد في الساعات الماضية عن توجه فريق ٨ آذار للسير بترشيح فرنجية وهذا الأمر لم ينل موافقة باسيل بعد مما دفعه لتفجير الوضع وابتزاز حلفائه على طريقة «تغداهم قبل ان يتعشوه».
من جهة أخرى فإن باسيل بهجومه على حزب الله عطل الرئاسة التي يرى أنها لا تجوز لمرشح له تمثيل نيابي ضعيف وأخذ المواجهة الى مكان اخر بافتعال الخلاف مع حزب الله الحليف الأساسي والوحيد المتبقي له داخليا، كما انه منع عقد أي جلسة حكومية بسبب الطعن الذي قدم بقرار الحكومة.
ويرى العونيون في جلسة الحكومة رسالة ضغط عليهم ومقدمة لضغوط أكبر لعزل التيار الذي يعتبر مكونا أساسيا عن إدارة الدولة وإعادة عقارب الساعة الى ما قبل التسعينات وإلغاء نتائج الإنتخابات النيابية، فمن الطبيعي التلويح باللامركزية الإدارية.
لشد العصب في البيئة المسيحية من جهة التيار الوطني الحر المصاب باحباط تراجع شعبيته والمحشور داخليا بجملة ملفات بعد خروج عون من بعبدا، فباسيل في مؤتمره تحدث عن اللامركزية بتأكيده إذا لم يكن قانونا «فعلى الأرض» علما ان طرح اللامركزية رسائل وابعادا أخرى للفيدرالية خصوصا ان طرحها يستفز شريحة كبيرة من اللبنانيين وبالمقابل فإن الطرح متقدم لدى المسيحيين ويدغدغ مشاعر فئة كبيرة من الناس ترى فيه الحل الأنسب للخروج من المأزق والحالة الراهنة على خلفية الانهيار الكبير وشعور المسيحيين باستقواء الآخرين عليهم وانهم باتوا الطرف الضعيف في السلطة، حيث تعتبر شريحة من المسيحيين ان الحل الوحيد اليوم باللامركزية والذهاب ربما الى خيار الفدرلة لضمان بقاء المسيحيين في ظل انعدام فرص التوازن والتكافؤ الديموغرافي وبعد انفجار ٤ آب واهتراء الدولة.
بالمقابل تؤكد مصادر سياسية ان الأزمة بين التيار وحزب الله ليست الإشكالية الأولى ولن تكون الأخيرة كما قد تكون أزمة عابرة لن تطيح بالضرورة بتفاهم مار مخايل وباعتقاد المصادر ان حاجة باسيل اليوم الى حزب الله أكبر من حاجة الأخير إليه لأنه أي رئيس التيار من دون حلفاء على الساحة الداخلية باستثناء حزب الله علما ان تفاهم مار مخايل ليس السبب في خصوماته مع السياسيين.
وبالنسبة الى كثيرين فإن حزب الله منزعج ومستاء في الفترة الأخيرة من معاندات باسيل ومشاكساته التي باتت عبئا على فريق ٨ آذار ولا سيما تعطيل تأليف الحكومة والاستحقاق الرئاسي ولا سيما مع اقتراب خطاب باسيل من مسألة حزب الله بقول الأخير «سلاحكم أساسي لوجودكم ووجودنا الحر والمتوازن بالشركة الوطنية بحجم السلاح».
بغض النظر عما ستؤول إليه علاقة حليفي مار مخايل والمتوقع ان لا تتجه الى السقوط فالواضح ان الطرفين اايوم سيذهبان الى التمايز الإيجابي، فحزب الله سيحرص على الحفاظ على خصوصيته فلا يسير بالتبعية لباسيل فيما سيكون لرئيس التيار مقاربته السياسية «المعارضة» فلا يسير خلف خيارات حزب الله الرئاسية والسياسية بعد اليوم.