بقلم ايلي الحلو
منذ الدخول في السباق الرئاسي قبيل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون بدا واضحًا صدام الخيارات والاولويات بشكلٍ غير مسبوق بين التيار الوطني الحر وحزب الله، فالتمسك بتسمية نجيب ميقاتي رئيسًا مكَلفًا لحكومةٍ لا يريد تشكيلها ليدير مرحلة فراغٍ رئاسيٍ مصيري على صعيد مسار البلد لعشرات السنين المقبلة كانت بداية النقزة العونية العميقة التي تختلف جذريًا عن النقزات السابقة الناتجة عن خلافٍ مرحليٍ على ملفاتٍ غير جذرية.
ومع اشتداد الحماوة الرئاسية ووصول المحور الاميركي الى اعلى سقفه من خلال اعلانه ترشيح مرشحه الجدّي والوحيد العماد جوزيف عون الى رئاسة الجمهورية وجد حزب الله نفسه عاجزًا عن مواجهة الترشيح بالترشيح ورفع سقفه الى الحدود العليا لفرض رئيسٍ يناسبه او اقله الوصول الى مرشح توافقي يرضى عنه، نتيجة رفض التيار الوطني الحر المطلق لتبني ترشيح سليمان فرنجية.
نتيجة ذلك، شعر حزب الله ان رفض رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل السير معه في معركته التي لا تعني التيار لا من قريب ولا من بعيد (بين جوزيف عون وسليمان فرنجية قد يكون عون اقل ضررًا على التيار) تهدد موقعه التفاوضي وقد تؤدي الى فرض رئيس لا يرتاح اليه.
ونتيجة هذا الشعور بالتهديد فقد حزب الله عقلانيته المعتادة وعقله البارد واطلق حفلة ابتزاز سياسي بوجه حليفه الاستراتيجي لدفعه للقبول بالسير معه في مسار المواجهة على قاعدة يا ابيض يا اسود التي رفضها النائب جبران باسيل رفضًا قاطعًا خلال افصاح حزب الله له عن دعمه فرنجية من دون خطة باء كما رفضها بشكل قاطع ايضًا خلال اعلان مضيفيه اثناء جولاته الخارجية دعمهم ترشيح العماد جوزيف عون. واصرّ باسيل امام الجميع في الداخل والخارج على التوافق لايجاد اسم ثالث يرتاح له الجميع ويكون لا فقط خارج المحاور وانما ايضا خارج المنظومة.
للوهلة الاولى، ظن حلفاء باسيل وخصومه انه يناور لنيل مكتسباتٍ سلطوية تضمن له الشراكة في العهد الجديد، لكنهم عادوا واقتنعوا ان موقف باسيل ليس للمناورة والمصلحة الحزبية الضيقة خاصةً بعدما ما انهالوا عليه بالعروض والاغراءات التي رفض باسيل اصل الحديث بها وركّز على مواصفات رئيس الجمهورية القادم وضرورة تبنيه رؤية اصلاحية تكافح الفساد وتبادر باتجاه اقرار خطط التعافي والانقاذ التي ما عاد البلد يحمل تجاهلها.
وبالعودة الى حفلة الضغوط والابتزاز والترغيب التي قد يستغربها بعض الرأي العام ويستنكرها البعض الاخر وينفي او يرفض مدّعي العفّة والاخلاق اصل وجودها في قاموسهم، فان هذه الامور هي شائعة ومشروعة وضرورية وطبيعية في العمل السياسي سواء في لبنان او في اي بلد آخر، لذلك كان من الطبيعي ان يلجأ خصوم التيار وحلفائه للضغط على باسيل للسير برؤيتهم الرئاسية.
انطلاقًا من هنا، بدأ حزب الله ضغطه على باسيل لتبني ترشيح فرنجية فكان ان تنصّل من وعده للتيار بعدم السماح لميقاتي بمخالفة الدستور وعقد جلسات غير ملحّة لمجلس الوزراء وسار في عقد جلسة غير ضرورية ويمكن اقرار بنودها من دون انعقاد مجلس الوزراء بالاضافة الى تضمن جدول اعمالها بنودًا عادية لا تدخل في اطار تصريف الاعمال مع حرص الحزب على الايحاء انه سيُسقط خلال الجلسة اقرار هذه البنود.
ما غاب (ربما) عن حزب الله ان ما حصل بالامس كان اخطر من الطائف على المسيحيين، فصحيحٌ ان الطائف جرّد رئاسة الجمهورية من الصلاحيات لكنه حفظ دور ومقام رئاسة الجمهورية في النظام الدستوري والسياسي الا ان جلسة البارحة وما استتبعها من قرارات تتجاهل لا فقط ان الحكومة في تصريف اعمال انما ايضا تتجاهل الحاجة الى توقيع كافة الوزراء نيابة عن رئيس الجمهورية، الغت كل دور رئاسة الجمهورية من الوجود، فتحول ضغط حزب الله من ابتزاز للتيار الوطني الحر الى ابتزاز والغاء لكل المسيحيين من النظام السياسي مما اشعل الشارع المسيحي عمومًا والشارع العوني خصوصًا الذي شعر بالغدر والعزل ممن افترض لسنوات انه شريك استراتيجي في الحفاظ على الوجود المسيحي وعلى الشراكة الفاعلة في لبنان.
في النهاية، سيتراجع حزب الله عما اقترفه وسيسوّي وضعه مع التيار الوطني الحر وسيكرر حواره مع الكتائب والكنيسة وربما سيوافق على الحوار مع القوات اللبنانية وسيتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وستتألف حكومة جديدة سواء غدًا او بعد غد او بعد سنة... وستعود الحياة السياسية الى ديناميكيتها المعتادة، لكن النقزة العميقة التي خلقها حزب الله لدى من آمن به منذ ٦ شباط ٢٠٠٦ كشريك لا فقط حامي للبنان من عدوان الخارج انما ايضًا كطرف مؤمن بالتوازن وبالشراكة وكحريص على منع عزل اي مكوّن نفس حرصه على منع عزله وطائفته، هذه النقزة بعد خطيئة الامس التي اوحت ان حزب الله لا يختلف عن غيره بسعيه للتفرّد والاحادية الطائفية والمذهبية معطوفةً على المعركة الطائفية للسطو على وزارة المال اصبحت صعبة الإزالة من وجدان كل "غير شيعي" يؤمن ويؤيد ويتعاطف مع حزب الله.