عن زعامة كرامي وسجن الحزب والمجلس الدستوري كبقعة ضوء
عن زعامة كرامي وسجن الحزب والمجلس الدستوري كبقعة ضوء

خاص - Saturday, November 26, 2022 9:37:00 AM


أنطوان الأسمر
يقدّم المجلس الدستوري ورئيسه القاضي طنوس مشلب نموذجا في العمل المؤسسي غير الغرضي، الشجاع والشفاف والمكتمل الصفات والنوايا. وهو أداء افتقدت له بالتأكيد المجالس الدستورية السابقة كما غالبية مؤسسات الدولة.
وإعتُبر المجلس من الإصلاحات المتقدمة التي أقرّت في إتفاق الطائف كهيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية مهمته مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون وبت النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. لكنّه استحال في أوقات كثيرة هيكلا خاليا من الروح بفعل ارتضاء أعضائه أن يكونوا صدى المنظومة للحفاظ على استمرارية عملهم، كما نتيجة سرقة المنظومة منه صلاحية تفسير الدستور التي أقرها نواب الطائف الذين ما لبثوا أن انقلبوا على أنفسهم بعد قليل من عودتهم من المملكة العربية السعودية، فحوّلوا تلك الصلاحية الى المجلس النيابي وإدارته، بما شوّه الغاية من جعل التفسير حكرا على المجلس الدستوري.
المهم أن القاضي مشلب استطاع تحصين المؤسسة التي يرأس وحصّن دورها الدستوري والوطني وأعاد لها بريقا فقدته على إمتداد 30 عاما بفعل رضوخها أحيانا كثيرة للمنظومة الحاكمة التي تعاملت معها على أنها ذراعا لها، تنفّذ حاجاتها وحاجياتها، وخصوصا في مقاربة القوانين الإنتخابية ونتائجها. واستخدمتها لتغطية عطشها إلى قوانين عرجاء تنتج طبقة سياسية – نيابية مشبوهة ومشوّهة، تكرّس اللاعدالة واللاتوازن والإنقلاب على المنطق، وتعمّق الاختلال الوطني، لا سيما في عقديّ الطائف الأوّلين.
قارب المجلس الدستوري الطعون النيابية الأخيرة بعلمية ومهنية لافتة. خالف توقعات كثيرة، من قوى سياسية متنازعة، وخصوصا تلك التي انتظرت فوز مروان خير الدين في حاصبيا وابراهيم عازار في جزين، وتلك التي حذّرت منه كما حال القوات اللبنانية.
لذا لم يكن مستغربا أن تمرّ مفاجأتا طرابلس من دون كثير تشويش من قوى المعارضة والتغيير التي خسرت مقعدين في مجلس يشوبه الإنقسام والتشظّي ومن شأنهما أن يتركا تأثيرا في اللاحق من الأيام، تماما كما لن يكون مستغربا أن تمرّ أي مفاجأة، إن حصلت، في المتن الشمالي وعكار بقدر أقلّ (وليس بلا) من الصخب والغضب والتصويب.
في أي حال، أعاد المجلس الدستوري بقراره الطرابلسي الإستثنائي فيصل كرامي الى الواجهة السياسية والزعاماتية في وقت تحتاج فيه طرابلس والسنّة إلى تجدّد زعماتي بعد الأفول الذي أصابها وأصابهم نتيجة ارتدادات إعتزال الرئيس سعد الحريري وإرتجافات هذا الإعتزال وطنيا ومذهبيا ووطنيا.
عاد كرامي الى الندوة النيابية زعيما لا نائبا فحسب. وعلى عاتقه تقع مسؤوليات وطنية جسام، يدركها على ما يظهر ويتهيّبها على ما أظهر. سيبادر حتما الى تشكيل كتلة نيابية يتّكئ عليها في عمله السياسي والوطني، ويرتكز عليها متى صار الوقت ليكون أحد أبرز المرشّحين لترؤس الحكومة الأولى للعهد الرئاسي العتيد.
وليس خافيا أن في أجندة المجتمع الدولي والعواصم المعنية بالملف اللبناني مجموعة شروط ومواصفات لرئيس الحكومة المقبل، تبدأ ولا تنتهي بصفات الآدمية وعدم التلوث بالفساد والإفساد السياسي والمالي، الى جانب القدرة على إدارة مرحلة الإنقاذ والخروج المؤلم من الأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية بروح عالية من المسؤولية الوطنية والأخلاقية. وهي مواصفات صارت نادرة وتُعتبر علامة لاغية لآخرين ممن يأملون في رئاسة الحكومة ويتطلعون إليها أو الإستمرار فيها.
بهذا المعنى، لم يعد نجيب ميقاتي وحده اللاعب الحكومي الأوحد، أو يكاد، كما حاله راهنا. وسيخرج حزب الله من السجن الذي وضع نفسه فيه، أو سمح لميقاتي بأن يضعه فيه، خوفا من الفتنة وإتقاء لشرّها. وسيكون كرامي معنيا بتثبيت حال وازنة سياسية ووطنية تفوق ما لدى ميقاتي أو الأصحّ ما فقده في الإنتخابات من حضور نيابي، تؤهّله إلى أداء الدور الوطني الكبير سياسيا وإصلاحيا، وإعادة وصل ما انقطع عربيا وإسلاميا، وتجديد الدور السنّي وإخراجه من ضمور أو تقلّص ينعكس سلبا على لبنان لا على جماعة فحسب.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني