أساس الحوار
أساس الحوار

خاص - Sunday, November 13, 2022 1:52:00 PM

 النقيب السابق للمحامين في طرابلس الوزير السابق رشيد درباس

 كان اشتراكي في برنامج الإعلامي المخضرم جورج صليبي مساء الأحد قبل الفائت، موضع لوم من أصدقاء ومعارف، وكان أيضاً محلّ نقد ذاتي نقلته عتباً في اليوم التالي للأستاذ جورج معترضاً على الإطار الذي أدار من خلاله الحوار معي ومع النائبيْن اللَّبقيْن جورج عقيص وجيمي جبور، اللذيْن لم يفقدا زماميْهما ولا تورط أحدهما بلفظ خادش رغم انتماء كل منهما الى جهة مخاصمة للأخرى.

غير أن الاستاذ صليبي فتح الهواء طويلاً جدًّا لسجال عنيف بين الاستاذ النائب هاني قبيسي والنائب جبور والذي ارتفعت وتيرته الى ما يتخطى فكرة تبادل الآراء بل استكمل وتوغّل، فأشرك جمهرة صغيرة، جرى اختيارها من متاريس متناحرة، فأخرج المتساجلون سخائمهم، بما خشيت معه أن يستفحل الأمر ويتطور إلى لغة الملاكمة، من غير أن يحدو هذا بالمُخرج أن يقطع البث كوسيلة بدهية لتهدئة النفوس، أو لإقامة بعض الاعتبار للضيوف الذين لَبُّوْا الدعوة.

أكرّر اعتذاري وأستطرد محذراً من الإفراط في الدخول الى اللُّعبة الجماهرية سعياً وراء إثارة أو سباقاً لإحراز المشاهدات المتفوقة، ذلك أن جمهور كرة السلة أو الكرة الطائرة، على محدودية أفراده تأخذه الحماسة إلى حد التضارب، أما جمهور كرة القدم فيجري توزيعه على أماكن متباعدة بحسب الولاءات، تحاشياً لكوارث لم تزل ذكراها المريرة ماثلة في الأذهان.

لكن لعبة كرة النار السياسية، أيها الأصدقاء، فخطرة حتى ولو انحصرت بين المتبارين، فكم من مشارك، غادر مقعده وأوقع خصمه أرضاً أو رشقه بكوب الماء أو قال له ما لذّ وطاب من مفردات القاموس المعروف، فإذا ما امتلأت الكراسي بالأنصار المتحمسين، فإن الأمر مفضٍ حتماً إلى تلك المناظر المؤذية التي حصلت يوم الخميس الأسبق داخل الأستديو وخارجه.

لكنني وجدت من الخميس الماضي مناسبة لأحيّي وزير الداخلية على رصانته وصراحته، أما ما تلي بعد ذلك بين النائبة بولا يعقوبيان والصحافي طوني أبي نجم، فأغضّ لساني عنه....

أساس الحوار يقوم على التبادل الهادىء للآراء، وهو يفقد قيمته إذا تحوّلت البرامج الى منصات للشتائم وتبادل التنمر، وتوزيع الألقاب الفخمة ملء الهواء المتلفز، أو إذا صار المنبر حلبة صراع جسدي واستعراضاً للعضلات المفتولة، والقبضات الحديدية.

لفتني القاضي المحترم المثقّف جناح عبيد الى قول لنيتشيه وهو "أنّ جنون الأفراد نادر، ولكن عند الجماعات والأحزاب والأمم والحقب، فيكون هو القاعدة "، وهو قول محقّ.

ذلكم أن المواطن الفرد يتماسك ويقيّد سلوكه بالرجاحة والهدوء، فإذا انخرط مع سواه، وراح كل يرفع عقيرته بدرجة أعلى بحثاً عن توكيد الحجة، فإنّ المزايدات تؤول وسط الصخب، جنونا جمعياً ألَّفَهُ أفراد كانوا عقلاء، قبل أن ينزلقوا إلى حماسة التخُزُّب ورعونة الأقوال. ولهذا فعلى كل منا ألا ينسى أثناء انخراطه مع الجماعة انه فرد مستقل يستطيع كبح جماح نفسه على الاقل إذا عجز عن كبح الاخرين.

لا يُنكر أن الدولة تصدّعت والأبواب تَخَلَّعت والجدية تزعزعت و بعض وسائل الإعلام قرقعت وفرقعت، ولكن كل حزب سعى ويسعى إلى الهيمنة وكل طائفة إلى التحكم، وكل الأفراد المسكونين بشهوة الاستبداد، مدعوّون إلى معرفة حقيقة نبيلة، وهي أن قيمة هذا البلد، وأصوله الثمينة تتمثل بمناخ الحرية والتنوع، أما إذا ساد من ساد وهزم من هزم، ودانت الأمور لجهة، وتوزّع المغلوبون على الجهات، فإن المنتصر سيدرك بعد الفوات، أنه منتصر على جثة، وأنه حاكم لقطعة أرض بور يعيش فوقها قوم جفّ رونقهم ويبست عروقهم وأدمنوا خيبتهم.

إنها ساعة الدعوة للذهاب إلى ركن هادىء في شرفة عالية علّنا نرى هناك أوسع من أحداقنا، ونفكّر أكبر من أحقادنا، لنحلم بفسحة زمنية مختلفة عن الزمان الذي طال واستطال وافترس الأجيال، في عراك لم ولن يخرج فيه منتصر على الاطلاق.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني