مشهديّة الوداع
مشهديّة الوداع

خاص - Sunday, November 6, 2022 7:00:00 AM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

ربما كان خروج فخامة الرئيس السابق من قصر بعبدا بمواكبة برتقالية مرموقة، مؤشّراً إلى أن جمهوراً لا يستهان به بقي وفياً لزعيمه الذي إذا افتقد إنجازاته رئيساً، حَنَّ إلى حضوره قائداً ومحرّضاً، ورافضاً لأنواع التسويات. اللافت في الأمر أنّ كثيراً من شباب أعوام 88 و89 و90 ما زالوا على ولائهم وحماستهم رغم انتقالهم إلى مشارف الشيخوخة، وأنّ أجيالاً وُلدت بعد الاجتياح السوري للقصر الجمهوري، لا تقلّ حماسة عن الآباء، وذلك أنّ "العونيّة" مركّب كيماوي عنيد راسخ في الـ D.N.A ينتقل بالوراثة فلا تدركه العقول ولا يخضع لحساب أو حوار.
لاحظت أنّ كثيراً من المتحدثين المشاركين في الوادع أكثروا من رش السكّر فوق نهاية الولاية إذ اعتبروها بداية لعهد جديد يسترجع الخطاب الكبير، ويعبّىء الشعب العظيم، تهيُّؤاً للعودة إلى قصر الشعب بالتقمّص الشرعي.
إنني أرى من غير أيّ نوع من العداء، أن العماد عون والوزير باسيل فَرَّطا بفرصة العمر عندما استعجلا التنصل من شريكيهما الحريري وجعجع، فيما كان بإمكانهما استغلال تلك الحالة لإعادة إنتاج خطاب وطني، بعيداً عن شبق الاستحواذ، فيما لو توخّيا الواقعية وحسن التبصّر وعدم التوهم بأنّ الحلف مع الحزب يغنيهما عن حليفيْن مستحدثين لم تربطهما بهما محبة حاليّة أو ثقة سابقة؛ لقد خرق الإثنان قواعد اللعبة السياسية والتنوّع المعروف، فغاليا في تهميش "القوات" إلى درجة التعامل معها معاملة القريب الفقير، ونبذاها إلى وزارات ثانوية، فيما وجدا السانحة المناسبة للانتقام من رفات رفيق الحريري من خلال التنكيل بخلفه، مرة بإقالته قبل أن يتخطى عتبة البيت الأبيض، ومرة بتذكرة ذهاب بلا رجوع، وكثيرًا بالاستخفاف العلني به من دون احتساب للّباقة التعامل أو المقام الرسمي، واتهامه بالكذب وكثرة الأسفار بعلنية مقصودة بالصوت والصورة، إلى أن جاء الدور على "النجيب" الذي نُصِحَ بالإبحار البعيد على متن يخته الفخم.
لقد استعجلا محاولة قلب الطاولة فكادت تتحول "قبر شمون" إلى قبر وطني، وأغفلا التطورات الإقليمية والتردي الاقتصادي والاجتماعي، وجرى التمادي في التهتك السياسي إلى أن وقعت الدولة وقعتها الكبرى، فسارعا إلى "ما خلّونا" تنصلاً من المسؤولية، وذلك استمراراً في عدم الواقعية السياسية.
لقد حزنت لخطاب الرئيس الذي ما كان ينبغي له أن يُحَمِّلَ موظفين في الدولة مهما علت رتبهم، مسؤولية الانهيار، لأنه بهذا أتاح للموظف الردّ عليه قائلاً "إذا كان الرئيس لم يستطع، فماذا يفعل الموظف؟"، وحزنت أيضاً للرسالة التي وجهت إلى مجلس النواب، لأنها كانت تؤكد المؤكد في أوّلها وتخرج عن الدستور في بقيّتها.
لا شك ان "التيّار الوطني الحر" حزب له وجوده وشعبيته وتاريخه، وأنّ الرئيس عون شخصية لا يمكن تجاوزها، ولكن مما لا شك فيه أيضاً أنّ الخروج عن الواقعية يورث حماسة موقتة ثم خيبة أكيدة.
إن مشهدية الوداع الجماهيري الحار جداً والذي زعموه استئناف مسيرة، تعيدني إلى أغنية كتبها الشاعر المصري نجيب سرور ولحّنها وغناها الشيخ إمام يقول في أحد مقاطعها:

مساكين بنضحك من البلوَهْ
زي الديوك والروح حِلوَهْ
سرقاها من السكين حَمْوَهْ
ولِسَّه جوَّ القلب أمَلْ
والبحر بيضحك ليه، ليه، ليه؟
وأنا نازلة أتدلع حَاملهْ القُلَلْ

إن مزيداً من دلع "الدلّوع" يفضي إلى كسر القلل وراءه، أما أنابيب الغاز، وبراميل النفط، فلا تحتمل أي نوع من الدلع.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني