أنطوان الأسمر
في الساعات الأخيرة، ظهّر الثنائي الشيعي، بزخم لافت، الترشيح الرئاسي لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية. تزامن هذا التظهير، بل الأصحّ، أعقب الإشكال السياسي بين التيار الوطني الحر وحركة أمل. التظهير الأول لفرنجية جاء يوم 2 تشرين الثاني على لسان النائب علي حسن خليل في إطلالة تلفزيونية مبرمجة أعلن فيها "أننا تبنينا فرنجية للرئاسة في الانتخابات السابقة ولا نرى أسبابا لتغيير هذا الموقف لكنه كسواه يحتاج الى توافق وطني ونريد لمرشحنا أن يصل ولن نسمي لمجرد الترشيح". التبنّي واضح وإن بقيت الصيغة ملتبسة ومشروطة بالتوافق، لكن خليل لم يقصر هذا التوافق على مشاكرة التيار فيه، بل ألمح الى أنه قد يشمل جهات اخرى (الحزب التقدمي الإشتراكي على الأرجح ونواب سنة). بمعنى آخر، يقول خليل إن حركة أمل تسعى الى جمع أكبر مساحة توافق على فرنجية، ولكن ليس من الضروري أن يكون التيار فيها.
قبلها، قال خليل (11 تشرين الأول): "سليمان فرنجية يريد أن يصبح رئيسا للجمهورية، وكان مرشحنا في الانتخابات السابقة، لكن هذه الانتخابات لا يوجد لدينا أي مرشح حتى اللحظة".
إذن، ثمة إنتقال واضح في غضون 22 يوما من "لا يوجد لدينا مرشح" الى فرنجية مرشّحنا.
بعدها بيومين (4 تشرين الثاني)، يسرّب مسؤول في حزب الله الى صحيفة محلية ما سمّاه "معادلة حزب الله... الأصلي والتايواني"، معلنا تفضيل الثنائي الشيعي فرنجية الأصلي على التوافقي التايواني، ومعددا مجموعة الاعتبارات الإستراتيجية الضامنة للمقاومة والتي تتوفر في زعيم تيار المردة ولا تتوافر في أي مرشح توافقي أو وفاقي آخر.
تؤشّر عبارة التوافقي التايواني بوضوح الى المعادلة التي سعى الى تثبيتها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل سواسية مع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومع الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، والقائمة على الإتفاق بينه وبين فرنجية على إسم توافقي بالتشارك مع الحزب والبطريركية المارونية، على أن توسَّع باطّراد وتتدرّج رقعة التوافق في إتجاه أوسع مدى سياسي وحزبي ونيابي وروحي.
فهل فعلا خرج الحزب تحديدا عن تحفّظه الرئاسي متبنيّا ترشيح فرنجية حتى الرئاسة؟ واستطرادا، هل جاهر حزب الله بخلاف رئاسي مع باسيل؟
ثمة قراءاتان لمعادلة حزب الله المسرّبة:
-واحدة تعتبر أن الحزب قرّر، بعد انتظار وتأنٍّ، الإنخراط الكلي في معركة إيصال فرنجية الى بعبدا. وهو لهذا الغرض لن يعدم وسيلة حتى لو إضطرّه الأمر التمايز في الموقف مع التيار الوطني الحر، وربما تخطّي تحفظاته "تأمينا للضمانة الاستراتيجية الضرورية للمقاومة"، و"لأنّ الضرورات الاستراتيجية بالنسبة إلى الحزب لا تتحمّل أنصاف الحلول وأنصاف الأسماء"، على ما ورد في تسريبة المسؤول في حزب الله. على هذا المنوال، لن يتأخّر الحزب في نسج توافق الضرورة لتحصين خياره الرئاسي، لا سيما مع الحزب التقدمي الإشتراكي ونواب سنّة، بغية تأمين النصاب الدستوري الأقصى لانتخاب فرنجية. وليس أفضل من رئيس مجلس النواب نبيه بري لتسويق توافق الضرورة هذا. أما التيار فله أن يكون في صلب هذا التوافق، أو أن يقرر النأي بنفسه عنه في حال لم يقتنع بمبررات الحزب، أو فضّل التمايز والخروج الى فضاءات المعارضة المبكرة للعهد المقبل.
-وثانية تعتقد أن حزب الله قرّر فعلا إخراج دعمه فرنجية الى الضوء والخروج من دائرة التحفّظ. فإمّا يكون ما يريد فيرئس فرنجية الجمهورية، وإما لا ينجح في مسعاه فيكون قد أدى قسطه للعلى ووفى، ربما، بما وعد سنة 2016، لكن الظروف لم تأتِ بالغاية والمبتغى. عندها لا بد من الإنتقال الى بحث رئاسي آخر لأن الحزب يدرك قطعا ومن دون أدنى شك أن لا مكان لفراغ رئاسي طويل لا يحمله لبنان ولا يتحمّله. وعندها ينحو صوب البحث في مروحة ضيّقة من الأسماء بالإتفاق مع التيار، تحظى بغطاء بكركي ويمكنها تحصيل توافق الحد الأقصى.