الديار
وضعت «النقاط» على آخر «حروف» الترسيم البحري مع العدو الاسرائيلي بالامس مع التوقيع المتبادل غير المباشر على «الوثيقة» الاميركية. وكما كان متوقعا، بالغ الاميركيون والاسرائيليون في منح الاتفاق ابعادا تتجاوز حدوده كأنجاز موضعي تحقق بفعل تقاطع مصالح دولية واقليمية سياسية واقتصادية، واذا كان الرئيس الاميركي جو بايدن قد تحدث عن «الامن والاستقرار لاسرائيل والمنطقة»، فقد حاولت الحكومة الاسرائيلية ادعاء تحقيق انجازات غير واقعية لا تمت الى الحقيقة بصلة، عبر اعلان رئيسها يائير لابيد «بان لبنان اعترف بدولة إسرائيل في اتفاق ترسيم الحدود»! الا ان الرد لم يتأخر من بيروت حيث اعلن رئيس الجمهورية ميشال عون ان الاتفاق تقني وغير سياسي، اي لا «اعتراف»، فيما كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حاسما في نفي اي «شبهة» للتطبيع معلنا انتهاء حالة الاستنفار لان مهمة المقاومة انجزت بتحقيق لبنان انجازا «تاريخيا».
والخلاصة ان المقاومة استخدمت قدرتها الردعية مقابل العدو؛ وثبتت مجددا معادلات وقواعد الاشتباك السائدة منذ العام 2006واليوم منع العدو مجددا من فرض امر واقع على لبنان. اما الاسئلة «المشبوهة» حول ما بعد هذه المرحلة؟ وحول فقدان سلاح المقاومة لدوره! فتبقى مجرد «ثرثرة» لا «تثمن ولا تغني عن جوع»، وخيال يتجاوز الواقع، فالضمانة الوحيدة لالتزام اسرائيل بالاتفاق تبقى توازن «الردع» الذي كان له الفضل الاكبر في حصول «الترسيم» الذي سيبقى متلازما في مشهد واحد مع «مسيرات» المقاومة، تحذيرات «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين من تداعيات الاخلال بالالتزامات دلالة واضحة على ضرورة ترقب مرحلة التنفيذ التي تتجاوز مسألة الاقرار بالحدود البحرية الى التزام شركة «توتال» بـ»خارطة طريق» الاستكشاف والاستخراج من «حقل قانا» والتي ستكون «نقطة « تحول فاصلة في الاتفاق من الجانب اللبناني خصوصا اذا ما عادت الشركة الى «المراوغة».
هذا على الحدود، اما في الداخل، فلا شيء يدعو للتفاؤل، صحيا، الكوليرا تتمدد،اقتصاديا، الفوضى هي عنوان المرحلة، اما سياسيا فبات «الفراغ» الرئاسي امرا واقعا قبل يومين من خروج الرئيس عون من قصر بعبدا رسميا وشعبيا. حوار رئيس مجلس النواب نبيه بري المفترض لا مؤشرات جدية على امكان نجاحه، وهو يصب في خانة ادارة الوقت الضائع بانتظار تبلور الصورة الاقليمية والدولية غير المبالية بالاستحقاق. اما فرص نجاح تشكيل حكومة جديدة فلا تزال قائمة بحدودها الدنيا في ظل تحرك مستمر للمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، بدفع من حزب الله، لمحاولة استيلاده «قيصريا» في «الربع الساعة» الاخير، في وقت رفع عون سقف الضغوط بتهديده بالتوقيع على استقالة الحكومة ما لم يتم التاليف في الساعات المقبلة.
التوقيع «غير المباشر»
فبعد مفاوضات غير مباشرة رعتها واشنطن تم امس توقيع «اتفاق» ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، التي ستسمح للجانبين بالبدء فورا في عملية التنقيب عن النفط والغاز. ففي الناقورة، سلّم الوفد اللبناني الموفدَ الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتاين الرسالةَ الموقّعة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وفي غرفة او خيمة اخرى، سلّم الوفد الاسرائيلي ايضا رسالتَه الموقّعة الى «الوسيط» الاميركي. طبعا لم يحصل اي تواصل بين الجانبين، القى مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير كلمة مقتضبة وكذلك رئيس الوفد الاسرائيلي، وكذلك هوكشتاين، بعدها تسلم «الوسيط» الاميركي رسالتين موقعتين من الجانبين اللبناني والاسرائيلي،وحصلا بالمقابل على «رسالة» الضمانات الاميركية للاتفاق.وكان أعضاء الوفد اللبناني وصلوا إلى الناقورة قرابة الثالثة والدقيقة الـ 20 الى مقر «اليونيفيل» وسلموا ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا رسالة وقعها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، تتضمّن تأكيد الإحداثيات المرتبطة بالحدود البحرية لإيداعها الأمم المتحدة وفقاً للآليات المتبعة في قانون البحار. وضم الوفد مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير والعميد الركن منير شحادة مفوض الحكومة لدى القوات الدولية، وسام شباط عضو هيئة إدارة النفط وأحمد العرفة رئيس مركز الاستشارات القانونية. وقد امتنع الوفد اللبناني عن الدخول إلى الخيمة المنصوبة في مقر قيادة القوات الدولية بعدما علم بوجود زوارق حربية إسرائيلية تخرق المياه الإقليمية اللبنانية، ما أدى إلى تواصل مع نائب رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية وقيادة القوات الدولية لمعالجة الخرق وانسحاب الزوارق الإسرائيلية ما سمح بدخول الوفد.
عون و «الحدود الجنوبية»
وسبقت مراسم الناقورة التي شاركت فيها سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا دوروثي شيا وان غريو وممثلة الامم المتحدة يوانا فرونتسكا، جولةٌ قام بها هوكشتاين على المسؤولين اللبنانيين. زار اولا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحضور السفيرة شيا ونائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم. وتسلّم عون من الوسيط الاميركي الرسالة الاميركية الرسمية في ما يتعلق بترسيم الحدود البحرية الجنوبية التي تتضمّن حصيلة المفاوضات ونوه هوكشتاين بدور عون في الوصول إلى هذه النتيجة والأخير شكر الوسيط على الجهود. ووقع رئيس الجمهورية الرسالة التي تحمل موافقة لبنان على مضمون الرسالة الأميركية عن نتائج المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود الجنوبية. وكان لافتاً في تعليق الرئيس اللبناني التركيز على «الحدود الجنوبية» وإسقاط كلمة «الحدود مع إسرائيل» حيث قال في رد غير مباشر على رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اعتبر ما حصل اعتراف لبنان «بدولة اسرائيل»إن إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية عمل تقني ليست له أي أبعاد سياسية أو مفاعيل تتناقض مع السياسة الخارجية للبنان في علاقاته مع الدول.
ابعاد «شبح» الحرب
وقد اعلن رئيس الجمهورية في مقابلة تلفزيونية مع «المؤسسة اللبنانية للارسال» مساء أن لبنان أخذ حقه كاملاً في ترسيم الحدود البحرية وقال» نحن نشعر اليوم اننا اعطينا اللبنانيين املاً جديداً لأن هذا الترسيم سيسمح للبنان استخراج النفط والغاز، ولفت الى ان الساحة الجنوبية أصبحت مستقرة ولن تكون مصدر عنف وقد وقعنا اتفاق ترسيم الحدود لمنع الحرب. واشار الى انه لا توجد أي ورقة أو إمضاء أو أي شيء آخر في عملية توقيع اتفاق الترسيم يؤدي الى اتفاق سلام مع إسرائيل، فالسلام يتطلب استقراراً نتيجةً للمصلحة وليس نتيجة توافق مع إسرائيل.
تحذيرات هوكشتاين؟
وكان هوكشتاين اكد بعد لقاء عون «عقدتُ عدّة اجتماعات هنا وكنتُ أقول دائماً إنّني متفائل وأنا ممتنّ لوصولنا إلى هذا اليوم التاريخي ولتحقيق الاتفاق». أضاف «المهمّ اليوم هو ما سيحصل بعد الاتفاق وأعتقد أنه سيكون نقطة تحوّل اقتصاديّة للبنان ولنهوضه». وأشار هوكشتاين الى ان «توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و «إسرائيل» من شأنه إحداث الاستقرار في المنطقة، بعدها، انتقل هوكشتاين الى السراي الحكومي، حيث التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، مؤكدا «ان الاهتمام الشخصي للرئيس الاميركي جو بايدن والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون اعطى دفعا لمسار جديد في المنطقة ولدعم لبنان لاستعادة عافيته الاقتصادية». وبعد لقائه مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، قال المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين إنه يتوقع استمرار الاتفاق حتى في حالة تغيير قيادة أي من الدولتين، وحذر من اي خرق قائلا «إذا انتهك أحد الجانبين الاتفاق فسيخسر كلا الجانبين». وكان هوكشتاين يشير بذلك إلى كل من الانتخابات المقبلة في إسرائيل في أول تشرين الثاني ونهاية فترة عون الرئاسية في 31 تشرين الأول، قائلا إن الاتفاق يجب أن يستمر «بغض النظر عمن سينتخب قريبا جدا رئيسا للبنان».
بايدن: الاتفاق تاريخي
ومن واشنطن هنّأ الرئيس الاميركي جو بايدن إسرائیل ولبنان على إبرام اتفاقهما رسمیًا من أجل حل النزاع الحدودي البحري الذي طال أمده، معتبرا أن هذه الاتفاقیة تقربنا خطوة واحدة من تحقیق رؤیة لشرق أوسط أكثر أمانًا وتكاملاً وازدهارا، ما سوف یوفر منافع لجمیع شعوب المنطقة، وأكد بايدن في بيان أن هذا الاتفاق «التاريخي» سیؤمّن مصالح كل من إسرائیل ولبنان، وسیمهد الطریق لمنطقة أكثر استقرارا وازدهارا. وشدد على أن الولايات المتحدة ستواصل العمل كمسهل فیما یعمل الطرفان على الوفاء بالتزاماتهما وتنفیذ هذا الاتفاق. ولفت الرئيس الاميركي إلى أنه لا ینبغي أن تكون الطاقة خصوصا في شرق المتوسط سببًا للصراع، بل أداة للتعاون والاستقرار والأمن والازدهار.
استثمار اسرائيلي
في هذا الوقت حاول رئيس حكومة العدو يائير لابيد استثمار الاتفاق لتحسين موقفه في الانتخابات المقرر مطلع الشهر المقبل، وبعد التوقيع على الاتفاق وقال أن «الاتفاق البحري مع لبنان إنجاز ديبلوماسي واقتصادي». وزعم لابيد في مستهل اجتماع مجلس الوزراء ان لبنان اعترف بدولة إسرائيل في اتفاق ترسيم الحدود البحرية.وقال» هذا إنجاز سياسي، فليس كل يوم تعترف دولة معادية بدولة إسرائيل في اتفاق مكتوب أمام المجتمع الدولي بأسره». واعلن ان اسرائيل ستحصل على 17 بالمئة من حقل قانا.؟!
دور نصرالله و«المسيرات»
من جهته، اعلن الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله ان اسرائيل لم تحصل على اي ضمانات امنية واشار الى ان تجربة ملف ترسيم الحدود كانت تجربة غنية ومهمة جداً على مستوى لبنان والمقاومة وتستحق التوقف عندها ملياً، وأعلن انتهاء كل التدابير الخاصة التي أعلنتها المقاومة بعدما استكملنا الوثائق المتعلقة بملف ترسيم الحدود.
خطاب اعلان انتهاء المهمة من قبل السيد نصرالله، جاء تتويجا لأربعة خطابات سابقة، وثلاث مسيّرات، لعبت دورا حاسما في اجبار الاميركيين على «التواضع» واسرائيل على التوقيع ، ووفقا لاوساط مقربة من حزب الله فان ما قاله السيد في 10 حزيران، و13 تموز، و9آب و17 أيلول كان بمثابة وضع اليد على «الزناد» وهي تقع في اطار حرب نفسية تزامنت مع اجراءات ميدانية كان هدفها انتزاع الحق في الثروات الغازية والنفطية اللبنانية واستثمارها، وهذا ما انجز، وهو الامر الاكثر حفرا في وعي العدو الذي يتخبط في وصف ما حصل مع وجود اجماع بالرضوخ «لإملاءات» حزب الله. وما حصل من استنفاراميركي بين حزيران وأيلول لمنع تدهور الامور الى انفجار إقليمي في لحظة دولية حرجة، ثبت قواعد الاشتباك وفق موازين قوى فرضتها المقاومة.
انتصار كبير و«المهمة» انجزت
وفي خطابه بالامس، وصف السيد نصر الله ما جرى بانه انتصار كبير كبير كبير للبنان كدولة وشعب ومقاومة. وردا على اعتبار البعض ان توقيع الاتفاق خطوة في الطريق للتطبيع مع إسرائيل قال «وقائع توقيع ترسيم الحدود من ناحية الشكل تؤكد أن أي حديث عن التطبيع لا أساس له وهو تجنّ». واضاف «امام بعض الملاحظات والاشكالات التي اثيرت منذ بداية التفاوض وما تم التوصل اليه ، يظهر ان بعض الناس انصدموا واصبحوا يطلقون كلاما لا يفهم «على هول الصدمة طقوا «الفيوزات»، من تكلم بملاحظة جديرة بالنقاش نعلق عليه اما من حقده يعميه مهما تكلمنا لن يسمع اصلا». واكد نصرالله ان ما يحصل حتى بالشكل يؤكد ان الكلام عن التطبيع لا اساس له فالمفاوضات في ملف الترسيم كانت جميعها غير مباشرة ولم يلتق الوفدان اللبناني والإسرائيلي تحت سقف واحد، الوثيقة التي سيحتفظ بها لبنان لا تحمل توقيعاً إسرائيلياً والمسؤولون في لبنان تصرفوا بدقة لعدم إعطاء شبهة تطبيع.واعتبر السيد نصر الله ان ملف الترسيم ليس معاهدة دولية ولا ينطوي على تطبيع مع إسرائيل التي تعترف أنها لم تحصل على أي ضمانات أمنية، اليوم أنجز لبنان مرحلة مهمة ستضعه أمام مرحلة جديدة.
تغريدة جنبلاط وغياب الجيش؟
في هذا الوقت، اعاد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على «تويتر» اثارة التساؤلات حول اسباب تغييب الجيش عن مراسم ابرام الاتفاق حول الترسيم، وقد بدا لافتاً تغييب المؤسسة العسكرية عن هذه المحطة المفصلية مع العلم انها كانت المعنية مباشرة بالتفاوض التقني، علما ان اوساطا مطلعة قد نفت المعلومات حول رفض قيادة الجيش الحضور في مراسم التوقيع، ولفتت الى ان القرار جاء من السلطة السياسية، علما ان الاتفاق السياسي مع الوسيط الأميركي على الخط 23 لم يلغ دور الجيش الذي سبق وحدد الحقوق اللبنانية بالخط 29، وبعد الاتفاق مع هوكشتاين على الخط الجديد، كلفت القيادة مسؤول وحدة الهيدروغرافيا في الجيش، الذي وضع النقاط على الخرائط. في المقابل لم تنف اوساط مقربة من بعبدا وجود قرار سياسي بعدم وجود تمثيل للقيادة العسكرية وبررت ذلك بانتهاء المحادثات التقنية ولهذا لا حاجة لحضور اي ضابط من الجيش»؟!