النهار
بدءا من إجراءات مالية مصرفية لـ “تبريد” الدولار، سجلت معها تراجعات سريعة وملحوظة في سعر صرفه مساء امس، مرورا بمزيد من جلسات “العقم” لانتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية بما سيكرس الفراغ الرئاسي، ومرورا أيضا بـ”احتفال” نادر في الناقورة لابرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، ومرورا أيضا أيضا بحسم الاتجاه النهائي لمصير الملف الحكومي، وصولا الى احد “الوداع الكبير” في قصر بعبدا … كل هذا سيزدحم تباعا في أسبوع الحدث المشهود المفصلي أي أسبوع نهاية العهد العوني من اليوم الى الاثنين المقبل. هذا الاحتشاد غير المسبوق للمحطات المفصلية سيرتفع معها رحيل العهد العوني عنوانا ضخما للحدث الداخلي بما سيثيره هذا الاستحقاق على ضفتين متقابلتين بين حدث الرحيل لعهد شهد في ظله لبنان انهيارا كارثيا تاريخيا، وحدث تكريس انزلاق لبنان مع نهاية هذا العهد الى فراغ رئاسي مرجح راهنا بنسبة 99 في المئة. واذا كان الاعداد لوداع شعبي ينظمه “التيار الوطني الحر” الاحد امام قصر بعبدا سيشكل الرد المباشر على حملات تحميل العهد تبعات الانهيار، فان محطة ابرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية ستأتي بمثابة الاختراق الخارجي الاستثنائي الأكبر لاسبوع نهاية العهد الذي فرضه تزامن نهاية الولاية الرئاسية في لبنان وحلول موعد الانتخابات العامة في إسرائيل واستعجال الوسيط الأميركي احتفال تبادل وثائق الاتفاق قبل هذين الاستحقاقين.
ووسط كل هذا الاحتدام الذي سيبدأ من اليوم مع الجلسة الرابعة لانتخاب رئيس الجمهورية، برزت الى الواجهة الإجراءات التي اعلن مصرف لبنان مساء امس انه سيقوم بها من خلال منصة”صيرفة” ببيع الدولار الأميركي حصرًا إبتداءً من يوم غد الثلثاء، اذ انه لن يكون شاريًا للدولار عبر المنصة من حينه وإلى إشعار آخر. وفور اعلان التعميم مساء امس بدأت انخفاضات سريعة في سعر الدولار في السوق السوداء تجاوزت الستة الاف ليرة ووصل معها الى سقف الـ35 الف ليرة وما دون .
الملف الحكومي
ولعل مؤشرات خجولة حيال عدم سقوط احتمال التوصل في اخر لحظة الى تسوية حكومية ساهمت بدورها في تبريد السوق المتوهجة للدولار اذ ان البيان الذي اصدره مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية نافيا “معلومات مغلوطة عن عزم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة” أوحى بإمكان ان تكون ثمة معطيات لقيام تسوية والا لماذا تأخر اصدار هذا البيان أياما بعدما كان “التيار الوطني الحر” قد سرب بنفسه “المعلومات المختلقة التي تبنى عليها تحليلات حول خطوات اخرى يعتزم الرئيس عون القيام بها” كما جاء في البيان ؟
وردا على سؤال لـ”النهار” في السياق الحكومي، دحض المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم ما اشاعه البعض عن توقف وساطته وجهوده المكثفة التي بدأها قبل ايام بغية استيلاد حكومة من دون ان يشأ اعطاء تفاصيل اكثر او يتناول نتائج وساطته وقال: “نحن بناء على التكليف المعطى لنا متعهدون ان نواصل المهمة التي حملناها حتى 31 الشهر الجاري (موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون)” .
واضاف: ”اننا نقوم بواجباتنا ونؤدي ما كلفنا به. والحراك في هذه الحال ضروري واليأس والاستسلام ممنوع . ونحن ما زلنا مستعدين للاحتمال والمضي قدما عبر بذل المزيد من الجهود ما دام هناك بصيص ضوء وامل” .
احتفال الترسيم
اما في ملف الترسيم، فان موعد الاحتفال الذي سيقام في الناقورة حدد الخميس المقبل لتبادل الوثائق . وكان الوسيط الأميركي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين أرجأ وصوله الى لبنان من غد الثلثاء الى الأربعاء. وامس أعلن هوكشتاين أن توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل سيكون يوم الخميس المقبل. وبعد وصوله الاربعاء الى لبنان يسلم هوكشتاين رئيس الجمهورية نص الاتفاق الرسمي لترسيم الحدود صباح الخميس في بعبدا وسيقرر رئيس الجمهورية من سيوفد الى الناقورة خلال اليومين المقبلين. وأفادت معلومات ان تمثيل لبنان في الاحتفال سيكون عبر احد الضباط أو المديرة العامة للنفط في وزارة الطاقة أورور فغالي .
وامس رفضت محكمة العدل العليا في إسرائيل الالتماسات الأربعة ضد اتفاق الحدود البحرية بين الحكومة الإسرائيلية ولبنان ويمهد هذا الحكم الطريق أمام مجلس الوزراء للموافقة على الاتفاق خلال وقت لاحق من هذا الأسبوع .
السعودية وفرنسا
وسط هذه الأجواء يكتسب الأسبوع الحالي طابعا دراماتيكيا لجهة تكريس الفراغ الرئاسي اذ يستبعد تماما ان تسجل أي تطورات إيجابية في الجلسة الانتخابية الرابعة اليوم ولا في أي جلسة ستليها في ظل دوامة المراوحة التي تطبع موقف كتل “الورقة البيضاء” التي تعطل معركة التنافس فيما يتعذر التوافق بين جميع الكتل على أي مرشح حتى الان. وتوقف المراقبون عند اعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعتزامه الاتجاه الى مفاتحة الكتل النيابية ورؤسائها والزعماء السياسيين باجراء حوار هدفه التوصل الى رئيس توافقي . وسيكون هذا الموقف محور تشاور في الأيام المقبلة بحيث تتضح الموافق المختلفة منه سلبا او إيجابا.
وأفادت مراسلة “النهار” في باريس رنده تقي الدين امس ان السفيرالسعودي في لبنان وليد بخاري اجرى مشاورات في باريس الجمعة الماضي في الخارجية الفرنسية حيث التقى مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا فيها آن غيغين وكبار موظفي الخارجية في اطار مشاورات سعودية فرنسية مستمرة حول الأوضاع في لبنان مع حرص البلدين على ان يتم انتخاب رئيس جمهورية في الموعد الدستوري. وجاءت زيارة بخاري بعد زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى واشنطن حيث تناولت الملف اللبناني مع نظيرها الاميركي انطوني بلينكن. وعلمت “النهار” من أوساط فرنسية رفيعة ان المحادثات الفرنسية الاميركية عكست تقييما متطابقا حول الوضع اللبناني بانه لم يعد للمسؤولين في لبنان الوقت للمماطلة في العمل على ما ينبغي ان يقوموا به من إصلاحات وان ينتخبوا رئيسا في الموعد المحدد دون تأخير. وأكدت باريس للجانب الاميركي تأييدها للدور الاميركي الإيجابي في ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان . وأعرب كل من بلينكن وكولونا عن ضرورة توصل المسؤولين اللبنانيين الى اتفاق في ما بينهم للانتخاب الرئاسي وتنفيذ الإصلاحات، الا انهما اعربا عن خيبة امل من ان لا شيء يتقدم على هذا الصعيد والبلد لا يمكن ان يستمر في مثل هذا الوضع المتدهور.
ويشار الى ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يعقد لقاء اليوم مع البابا فرنسيس في الفاتيكان ومن المتوقع ان يثير معه الموضوع اللبناني الذي قد يحضر أيضا خلال زيارة الدولة التي يقوم بها ماكرون الى واشنطن للقاء الرئيس جو بايدن في الأول من كانون الأول المقبل .
الكنيسة والفراغ
في غضون ذلك برز موقف شديد الحدة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الفراغ بلغ حدود الحديث عن الخيانة الوطنية. اذ قال في عظة الاحد : “يا أيها السادة النواب والكتل النيابية الذين تتكلمون وتعملون من أجل الشغور أو الفراغ في سدة الرئاسة، قولوا لنا من أين تستنبطون هذا الحق، وتبررون مخالفتكم الخطيرة والسافرة للدستور؟ هل نيابتكم وكتلكم وجدت للتعطيل؟ من يدقق في تحركات عدد من النواب أثناء الجلسات النيابية الأخيرة، يكتشف فورا أنهم في مسرحية لا تخلو من المزاجية عوض أن يكونوا في احتفال سعيد يقدمون من خلاله للبنان رئيسا مقبولا من اللبنانيين بعد طول أحزان وأزمات. قلت رئيسا مقبولا يكون رجل دولة، لا رجل سياسة لا تعنيه إلا مصالحه الخاصة على حساب الخير العام. لقد كانت جلسة مجلسكم التي عقدت الخميس الماضي جلستين: جلسة انتخاب الرئيس داخل القاعة العامة، وجلسة تعطيل النصاب في الردهات المحيطة. كأن سوق التسويات والمساومات ينشط بين أعيان النواب لمعرفة ما إذا كانوا يدخلون القاعة ويصوِتون أم يبقون في الردهات ويعطلون. لقد أصبحنا في ذروة الفساد السياسي الأكثر شرا من الفساد المالي. وصرنا في واحة الخيانة الوطنية. فهل من خيانة تجاه الوطن أكثر تعطيلا من تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل من طريق مصوب نحو انقسام الوطن أكثر من الشغورِ الرئاسي؟ ”
كما ان متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة اعرب عن “اسفه للتسليم بالفراغ والتهديد بما هو أبعد من الفوضى الدستورية والاجتماعية، وكأن هذه الفوضى ستطال فئة دون أخرى، أو ستؤذي مصالح فئة دون أخرى”. وقال ” أليست الفوضى كارثة على كل البلاد وكل المواطنين؟ وماذا نجني من الفوضى سوى المزيد من الفقر والجوع والبؤس واليأس والخراب؟ لذلك تقع على النواب مسؤولية كبيرة، إن أحجموا عن القيام بها يكونون كمن ينحر وطنه، وإن كانوا واعين خطورة الوضع، فليغلقوا على أنفسهم في قاعة المجلس ولا يخرجوا منها قبل انتخاب رئيس”.