الجمهورية
أضاءت وكالة afp في تقرير نشرته، على معاناة سكان منطقة الذوق من التلوث الناجم عن تشغيل معمل الذوق الكهربائي والدخان المتصاعد منه، والذي يتسبب بأمراض رئوية لسكان المنطقة، والتي جعلت من منطقة جونية في المرتبة الخامسة بين المدن العربية الأكثر تلوثاً و23 عالمياً.
بعد وفاة شقيقتها وثلاثة من أقربائها نتيجة أمراض في الرئة، باتت زينة مطر على غرار كثر من أهالي منطقة ذوق مكايل شمال بيروت، تلقي باللوم على تلوث يفرزه معمل لتوليد الكهرباء، وتعتبر أنّه يقتل سكان الأحياء القريبة منه ببطء.
وتقول زينة (40 عاماً) لوكالة «فرانس برس»: «قد نموت كلنا غداً»، مشيرة إلى خشيتها من إجراء أي فحوصات طبية لئلا ينتهي بها الأمر كشقيقتها التي توفيت قبل سنتين بعد معاناتها من تليّف رئوي، أو كأعمامها الذين خسروا معركتهم مع سرطان الرئة. وتضيف «اختنقنا».
جراء الخوف الذي يتملّكهم، تمضي زينة وزوجها غالبية الوقت في قريتهم في جنوب لبنان.
وتشير ابنة عمها ريتا (50 عاماً)، بينما تحتسيان القهوة على شرفة المنزل، إلى «الضجيج والدخان الأسود» المنبعث من المعمل.
وتقول السيدة إنّها تمضي وقتاً طويلاً في تنظيف منزلها من آثار الدخان، «حتى سياراتنا البيضاء تظهر عليها بقع من الصدأ».
ويحصل ذلك كلّه بينما لا ينعم سكان المنطقة سوى بساعة كهرباء واحدة من المعمل المذكور.
ويعدّ قطاع الكهرباء من القطاعات المتداعية في لبنان منذ عقود. لكن الانهيار الاقتصادي المستمر منذ 2019 فاقم المشكلة، خصوصاً مع عجز السلطات عن استيراد الفيول الضروري لتشغيل معامل إنتاج الكهرباء بسبب تضاؤل الاحتياطي الأجنبي لدى المصرف المركزي. ولم تعد مؤسسة كهرباء لبنان قادرة على تأمين الكهرباء إلّا لساعة أو ساعتين في اليوم كحدّ أقصى.
وأظهرت دراسة لمنظمة «غرين بيس» في العام 2018، بالاعتماد على صور أقمار اصطناعية، أنّ منطقة جونيه، وضمنها الذوق، تحتل المرتبة الخامسة بين المدن العربية الأكثر تلوثاً، بينما تحلّ في المرتبة 23 عالمياً.
وتحدّثت المنظمة عن عوامل عدّة تقف خلف تلوث المنطقة، بينها زحمة السير الخانقة والمولّدات الخاصة التي تعوّض عن انقطاع كهرباء الدولة، فضلاً عن معمل الذوق الذي يقع في منطقة مكتظة بالسكان. وتساهم الجبال المحيطة في تكديس الانبعاثات من المنطقة.
«غيمة سوداء»
منذ العام 1994، يجري طبيب أمراض الرئة في مستشفى سيدة لبنان في جونيه بول مخلوف دراسات حول التلوث في المنطقة، في ظلّ عدم تحرّك السلطات. ويقول: «عندما رأيت النتيجة، هربت من المنطقة».
غيّر مخلوف مكان سكنه في العام 2000، لكنه أبقى على عيادته التي وثّق فيها ارتفاع الإصابات بأمراض الرئة بنسبة تصل إلى 3% في 2014، و5 إلى 6% اليوم.
ويُستخدم في المعمل «فيول ذات نوعية سيئة (...) غني بالكبريت وأحادي أكسيد النيتروجين»، وفق الطبيب الذي يوضح أنّها «مواد مسرطنة تؤثر على الصحة العامة خصوصاً على الجهاز التنفسي والجلد».
وشيّد معمل الذوق في الخمسينات. في العام 2014، أنهت السلطات بناء منشأة أخرى تابعة له تعمل على الغاز أو الفيول الأفضل جودة.
ويقول رئيس بلدية ذوق مكايل إيلي بعينو لـ«فرانس برس»، إن المتعهد «لم يأخذ إذناً من البلدية ولم يقدّم لناً تقريراً بالأثر البيئي»، مؤكّداً أنّ «السكان يطالبون بإغلاق المعمل».
وتقول زينة: «حين يتمّ تفريغ الفيول، نغلق النوافذ لأنّ الرائحة لا تُحتمل».
في أيلول الماضي، أعلنت وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان أنّ «استعمال مادة الفيول أويل +غرايد بي+ Grade B في معملي الذوق والجية الحراريين هو حالة استثنائية، وجاءت منعاً للوقوع في المحظور أي العتمة الشاملة»، في ظلّ عجز السلطات عن استيراد الفيول الكافي.
وأسف الطرفان في بيانهما لـ«أي ضرر بيئي قد سبّبه الدخان الأسود، وللأذى لأهلنا القاطنين في المناطق المجاورة للمعمل».
ووفق دراسة أجرتها الجامعة الأميركية في بيروت عام 2018، فإنّ عدد الإصابات بأمراض السرطان أعلى 7 أضعاف في منطقة جونيه مما هي الحال في حرم الجامعة الأميركية في وسط العاصمة.
وتقول النائبة في البرلمان اللبناني نجاة عون صليبا، وهي أستاذة جامعية شاركت في إعداد الدراسة، إنّ احتراق الوقود الثقيل لتوليد الطاقة لا يجب أن يتمّ في منطقة قريبة من السكان، مشيرة إلى أنّ الحل يكمن في استيراد الغاز والوقود العالي الجودة.
وتضيف: «نحن أمام خيارين اليوم، أن يبقى المطار والمستشفيات من دون كهرباء أو أن نشغّل معمل الذوق ونجلس تحت غيمة سوداء».