نداء الوطن
جويل الفغالي
يمكن أن تكون الاسباب كثيرة وراء ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة في الاسواق ومبررة، ولكن يبقى السبب الاساسي هو جشع وطمع التجار. وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته عن طريق تفاوت الاسعار بين محل وآخر وبين أسعار الجملة والمفرق.
"الحق كلو على الدولار" حجة التجار الدائمة لتبرير ارتفاع الاسعار. وكأنها اسطوانة يكررونها من دون تردد أو تفكير في كل مرة نستفسر فيها عن أسباب ارتفاع الأسعار في الأسواق. ولكن من يحمي المواطن اللبناني؟
أشار التقرير الذي أجراه البنك الدولي حول تأثير وباء كورونا عن "تضخّم أسعار المواد الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى ارتفاع الأسعار المدرجة في السلة الغذائية في لبنان بين الفترة الممتدة من 14 شباط 2020 إلى 3 شباط 2022. واحتسب البنك الدولي التغيّر في أسعار المواد الغذائية في 18 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر خمس فئات رئيسية من المواد الغذائية هي النشويات، ومنتجات الألبان، واللحوم، والفواكه والخضار. وأورد أن سعر البطاطا في لبنان ارتفع بنسبة 60.2 في المئة في الفترة المشمولة، وهي الزيادة الأعلى في سعر هذا المنتج الغذائي في دول المنطقة أجمع".
غلاء وتفاوت الاسعار
ومع تراجع القدرة الشرائية للفرد، وتضخم الاسعار، وانعدام القدرة على توفير غذاء كافٍ، من المفترض أن يستفيد البلد من موارده الطبيعية لتأمين الغذاء الكافي لجميع الفئات. فإذا استغنى المواطن اللبناني عن اللحوم والأجبان التي أصبحت أسعارها خيالية، عليه استبدالها بمواد أخرى أقل كلفة كالخضار والفاكهة. ولكن تبقى المشكلة في عدم قدرته على الوصول إليها. وبجولة سريعة على بعض المحلات، كفيلة بإظهار تحليق وتفاوت أسعار الخضار والفاكهة بين المحلات التجارية والبسطات، فعلى سبيل المثال: كيلو البندورة يباع بـ 30000 ليرة، الخيار بـ 24500 ليرة لبنانية، باذنجان مدعبل بـ 17500 ليرة لبنانية، فليفلة خضراء بـ 17000 ليرة لبنانية، بطاطا بـ 20000 ليرة لبنانية، كوسا بـ 23500 ليرة لبنانية. وبحديث مع رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك، حيث تمت مقارنة أسعار الخضار والفاكهة بين الجملة والمفرق، كانت النتيجة على ما يلي:" سعر كيلو البندورة بالجملة بين 12000 و14000 ليرة، الخيار بين 16000 و18000 ليرة لبنانية، باذنجان مدعبل بين 8000 و10000 ليرة لبنانية، فليفلة خضراء بـ 11000 ليرة لبنانية، بطاطا بـ 16000 ليرة لبنانية، كوسا بـ 13000 ليرة لبنانية". ففي هذه الحالة، المزارع لا يستفيد بينما المستهلك هو الضحية، وهذا يعود لجشع وطمع التجار. "فأسعار الخضار والفاكهة مقبولة مقارنة لما كانت عليها من قبل"، يقول الحويك، "ونحن ما يهمنا هو سعر الجملة وليس سعر المفرق، ولن تكون السوبرماركات أو الدكاكين في بيروت المرجع الاساسي".
الأسباب
"والى جانب جشع وطمع التجار الذين يسرحون ويمرحون على حساب المواطن اللبناني في ظل غياب الرقابة من قبل المعنيين، هناك سبب آخر يؤدي الى ارتفاع الاسعار"، يقول عضو المجلس الإقتصادي والإجتماعي عمران فخري، وهو: "اتساع الفجوة بين حاجات المواطن من الامن الغذائي من جهة، والكميات المتوفرة من جهة أخرى. الأمر الذي يؤدي الى زيادة الكميات المستوردة من الخارج والتي يتم شراؤها بالدولار النقدي، كون المزارع اللبناني مهمشاً وغير قادر على تأمين الكمية الكافية لحاجات المواطن، نظراً لغياب البنى التحتية اللازمة كالكهرباء والمياه وارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية، وغياب أي دعم يجعله قادراً على الاستمرار. فلبنان ينتج اليوم حوالى 20 بالمئة من المواد الزراعية ويتم استيراد 80 بالمئة من الخارج لتسديد هذا النقص".
الكلفة ما زالت كبيرة ومدولرة
"ويمكننا القول اليوم أن المزارع تأقلم مع حال الاسعار وتقبل فكرة دولرة مصاريف وتكلفة الزراعة"، يقول الحويك، "ولكن هذه الحالة تخلق وضعاً غير مستقر في القطاع الزراعي، فقبل بدء الأزمة، كانت تكلفة ضمان أرض في البقاع تساوي 100 دولار. أما اليوم فلقد أصبحت تقدر بـ 400 دولار مع ما يتبعها من مستلزمات زراعية ومحروقات وتكاليف نقل وري ويد عاملة. ولو كانت الدولة اللبنانية تهتم بمصلحة المواطنين، لكانت وافقت على منح المزارعين البنى التحتية اللازمة لتطوير هذا القطاع، كالمصرف الانمائي الزراعي، والصندوق الوطني للضمان الزراعي من الكوارث، والسجل الزراعي والغرف الزراعية المستقلة، التي كان من شأنها تأمين الارضية المناسبة للمزارع في أوقات الازمات، وهي بمثابة صمام الأمان للقطاع الزراعي".
"لا يمكن تحويل الاقتصاد من الريع الى المنتج اذا بقي القطاع الزراعي خارج اهتمامات ومشاريع المسؤولين في لبنان"، يقول فخري، "ففي كل دول العالم المتطورة والمتقدمة لا يقل الناتج المحلي الزراعي فيها عن الـ 20 بالمئة، ومن الممكن أن تساعد الزراعة على الحد من الفقر والجوع، ورفع المدخول، وتأمين الأمن الغذائي".