لم أعلن يأسي وهزيمتي
لم أعلن يأسي وهزيمتي

خاص - Sunday, May 10, 2020 5:39:00 PM

النقيب السابق لمحامي الشمال والوزير السابق رشيد درباس

بعد حلقة "ناقوس في أحد" صباح الأحد الماضي عبر إذاعة "صوت كلّ لبنان"، قال لي إميل يعقوب: "بالغتَ في جلْد الذات".
أما الصديقة الصبية ميسم نويري، مدير عام وزارة العدل السابقة، فلامتني على تلك الغمامة الداكنة التي رانت على كلمتي ثم طالبتني بلغة القانون وأمره أن أفتح المحاكمة مجدداً واستأنف خطاب التفاؤل.
عمر زين قال: "لا يحق لك كيل ماضينا بمكيال واحد".
أما البنون وأمهم، فحدّث ولا حرج، لأنهم مكابرون يرفضون أن يحصوا عدد دورات الكرة الأرضية بي، حول الشمس.
عدا هذا، فقد سمعت من الرئيس تمام سلام ما أخجل ان أردّده لما فيه من ودّ صادق، وكذلك من معالي العالم الكبير جوزيف شاوول وإخوان ومستمعين استشعروا أنني كنت أُصدِرُ أنيني باسم مراراتهم وخيبة أجيال راهنت بما لديها من رصيد على غد جديد، فكان أن زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت أثقالها، ولكنهم جميعاً ظلّوا متمسكين بآمالهم، إن لم يكن لمنفعتهم المباشرة، فلمنفعة الحَفَدَة على الأقل.
وعلى هذا، فاستجابة واستئنافاً وفتحاً للمحاكمة أردّد مع الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور :
"لقد أردنا أن نرى أوسع من أحداقنا
وأن ننال باليد المجذوذة الأصابع سماء امنياتنا..
لك السلام
لك السلام
أعطيك ما اعطتني الدينا من التجريب والمهاره،
لقاء يوم واحد من البكاره".
لقد تلهّفنا وحاولنا أن نحرق المراحل، فاحترقت اصابعنا بنار التعجل والمكابرة، واتسخت بقذارة الانتهازية والتآمر، وتهرأت بكلس الاستبداد، فآن لنا أن نخاطب الأبناء الذين أورثناهم ما لا يُطيقونه، وننشادهم بأن يروا ضمن نطاق الأعين والبصيرة الواقعية، وأن يبرمجوا إنفاق طاقاتهم في جداول عقلانية، وأن يستعيدوا طهارة الأطفال، وعزم الرجال، وحنكة المحنكين، وأن يضعوا نصب أعينهم هدفاً لا مساومة عليه، هو الحفاظ على الدولة، وعلى هيكلها، مهما تهتّك مضمونها، وتمادى الممسكون بأزمتها بفسادهم وطيشهم، وصلفهم، لأن هؤلاء يدافعون عن قضية خاسرة وعن مصالح حقيرة، فيما الدولة إطار للناس لا للطفيلين والزعانف السياسية وأصحاب الأحلام المريضة.
أعزائي...
أقسم لكم، إني لم أعلن يأسي وهزيمتي في كلمتي السابقة، وإنما كنت أحاول من خلال الغضب أن أفتح كوّة في الضمائر البليدة، وأن ألعن نفسي حتى لا ألعن سواي، فما اللاعن إلا عاجز مهزوم، وأنا أرى أن الانسان الميت، ليس من تخرج نفسه من جسده، بل الذي يفقد المبادرة فيصبح آلة شهيق وزفير تجلب الداء وتلوث الهواء.
إنني أعترف لكم، برغم القلق الذي سيطر على العالم من وباء سريع الانتشار، غامض الأسرار بأنّ اعتكافي الوقائي قد فتح لي آفاقاً لم أكن أراها، وأفسح لي مجالات قراءة وإطلاع وكتابة، بل زرعتُ في حصاري حديقة للنزهة لأن الناس لا ينتصرون إلا إذا فكّوا حصارهم المادي الظالم والمفقر، وانطلقوا في رؤاهم بحثاً عن الحلول وعن وسائل جديدة لمجابهة صروف الزمان، وفساد النظم والحكام.
ومن باب التفاؤل هذه المرة، أتلو عليكم مقطعاً صغيراً من قصيدة شب بها تفكيري عن الحصار فأسميتها: "نزهة في حصار". قلت فيها:
"يَشِفُّ جِداري...
كَمَا لو أفاقَ الضِّيَاءْ
ونفَّضَ عن حَدَقاتِ الجهاتِ...
غُموضَ الأَمامِ وَلُغْزَ الوَرَاءْ.
كأنَّ الحِصارَ حَديقَةُ فَنٍّ... وَنَهْرُ غنِاءْ
يُحيلُ انْعزالي إلى رِحْلةٍ... في الفَضَاءْ
أَلَا أَيُّها الحَجْرُ كُنْ مَرْتَعًا لِلأسِيرِ الذي أطْلَقَتْهُ قُيُودُ الوَبَاءْ
وَدَعْهُ يَغُوصُ بِعُمْقِ النُّفوسِ... لِيُدْرِكَ سِرَّ الشِّفَاءْ
وَيَعْثُرَ بَعْدَ اجتِيازِ البَوَادي...
على خَفْقِ ظِلٍّ... وَيَنبوعِ مَاءْ"

يَشِفُّ حِصَاري...
فَأَغْدو صَديقَ السَّماءْ

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني