الديار
مارس رئيس المجلس النيابي نبيه برّي حقه الدستوري بدعوة مجلس النواب اليوم الخميس إلى جلسة لإنتخاب رئيس للجمهورية. هذا الحق يواكبه غموض كبير على صعيد مصير الجلسة إذ على رغم تأكيد الكتل النيابية حضورها إلا أن هناك عدة سيناريوهات تواجه مصير جلسة اليوم على رأسها سيناريو إسقاط نصاب الجلسة حيث تفرض المادة 49 من الدستور أغلبية ثلثي المجلس في الدورة الأولى والأغلبية المطلقة في الدورات التي تلي. وبالتالي يُمكن إسقاط نصاب الجلسة في حال عدم حضور الثلثين. إلا أن العديد من الكتل قالت إنها ستؤمّن النصاب وعلى رأسها كتلة القوات اللبنانية، وكتلة الوفاء للمقاومة، وكتلة حركة أمل، وكتلة التيار الوطني الحر، وكتلة نواب قوى التغيير، وكتلة اللقاء الديموقراطي، والنواب أسامة سعد وعبد الرحمن البزري وشربل مسعد وعماد الحوت وغسان سكاف وبلال حشيمي وعدنان طرابلسي وطه ناجي، ونواب الشمال السبعة، وكتلة الأرمن، وكتلة تجدد.
وبالتالي ومما سبق نرى أن النصاب مؤمّن بحسب المواقف الصادرة عن النواب. وهنا يُطرح السؤال عما يُمكن أن يحصل في هذه الجلسة؟ مصدر قال لجريدة «الديار» أن الرئيس برّي قام بضربة مُعلم إذ أن هذه الجلسة ستكون بمثابة الدورة الأولى لعملية الإنتخاب والتي أغلب الظن لن تؤدّي إلى إنتخاب رئيس. وبالتالي، فإن الدعوات الأخرى لإنتخاب رئيس أصبحت أكثر سهولة لإيصال رئيس معه الأكثرية المطلقة. وإذا كان البعض يعتبر أن الدورة الثانية يجب أن تلي مباشرة الدورة الأولى، يقول المصدر أن هذا الأمر غير ضروري.
إذًا الأوراق البيض غدًا ستكون لها كلمتها نظرًا إلى التشرذم وعدم التوافق على إسم مرشح يحصد الأغلبية بين مُختلف الكتل التي زاد تشرذمها بعد الانتخابات النيابية.
مصادر في القوات اللبنانية اعلنت أنها كثّفت الاتصالات مع فرقاء المعارضة من أجل التوصل إلى اسم مرشح موحد قبل الجلسة. إلا أن المعلومات المتوافرة تقول إنها لم توصل إلى نتيجة. كما أن كتلة حركة أمل إعتبرت أن جلسة اليوم هي بمثابة إنطلاق شرارة الاستحقاق الرئاسي وهو ما يعني جزم بعدم انجازه اليوم. أما كتلة الوفاء للمقاومة فقد إعتبرت أن جلسة اليوم هي بمثابة جس نبض بانتظار التوافق بين الكتل على رئيس وسيكون هناك جلسة ثانية قد تعقد قبل الدخول في الأيام العشرة الأخيرة قبل انتهاء ولاية الرئيس عون. تكتل الاعتدال الوطني المؤلّف من ٦ نواب شماليين واللقاء النيابي المؤلّف من ٣ نواب سُنة اتفقوا على حضور جلسة اليوم والتصويت بورقة بيضاء في حال عدم وجود أي مرشح جدي.
المحامي والكاتب السياسي جوزيف أبو فاضل ربط جلسة اليوم بتعثّر ولادة الحكومة نتيجة مطالب التيار الوطني الحر والتي نقلها اللواء عباس إبراهيم في إطار الوساطة التي قام بها بين السراي والقصر الجمهوري في محاولة لتقريب وجهات النظر. وأضاف أبو فاضل أن الرئيس برّي بدعوته لجلسة اليوم أظهر أنه الممسك بزمام الأمور. وقال أبو فاضل أن أسم رئيس الجمهورية يكون معروفا قبل الجلسة واليوم لا يوجد أية معطيات عن هذا الأمر مما يعني ان لا انتخاب لرئيس في جلسة اليوم. وشكّك أبو فاضل بقدرة المعارضة على الإتيان برئيس معارض لحزب الله وفريقه لأنه في هذه الحالة ستفقد الجلسة نصابها كما حصل في السابق.
إلى هذا لفتت مصادر إلى أن الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية يتعرّض لمحاولة عزل من قبل التيار الوطني الحر ومن قبل القوات اللبنانية. وتوقّعت المصادر ألا يكون هناك رئيس من خارج إطار توافقي يجمع حزب الله وحركة أمل والاشتراكي ونواب التغيير.
ورأت المصادر أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سعى من خلال دعوته لانتخاب رئيس الجمهورية اليوم إلى رمي الكرة في ملعب الكتل النيابية ليظهر انه ليس هو من يتحمل مسؤولية عدم انتخاب الرئيس بل عدم قدرة الكتل على التوافق وبالتالي هي التي تتحمل المسؤولية خصوصا بعد الانتقاد اللاذع الذي وجهته له النائبة بولا يعقوبيان. وبالتالي حشر الرئيس برّي كل الكتل في الزاوية مع استحالة توافق هذه الكتل على مرشح توافقي قبل الجلسة.
في الواقع الغموض يلف موقف مكونات المعارضة المنقسمة على نفسها وبالتالي فإن تشرذمها قد يؤدّي إلى رفع حظوظ أي مرشح من 8 أذار في حين أن وحدتها تدفع أكثر بإتجاه رئيس توافقي سيفرض نفسه حكما. من جهة التيار الوطني الحر، فالمعروف أن موقفه هو موقف تعطيلي نظرا إلى أنه يريد الحصول على ضمانات لإيصال رئيسه جبران باسيل الى كرسي الرئاسة وبالتالي تقول المصادر أن التيار يحجز معه موقف حزب الله المحرج بين حركة أمل الرافضة كليا لوصول باسيل الى كرسي الرئاسة وبين حليفه المسيحي – أي التيار الوطني الحر – الذي حتى الساعة وقف الى جانب الحزب في الاستحقاقات الدولية والمحلية.
من جهة القوات التي تريد وصول رئيسها سمير جعجع مدعوما من بعض النواب السنة، فإن الموقف تعطيلي بالدرجة الأولى ولكن يميل الى الليونة لمنع وصول جبران باسيل. كتلة الكتائب الضائعة بين مواقفها المعارضة والتوافق مع الاخوة الأعداء، ستنتظر تبلور الصورة للخروج بموقف من انتخاب الرئيس.
أما من ناحية النواب السنّة الذين جمعهم المفتي السبت الماضي في دار الإفتاء، فإن الصعوبة تبقى في توحيد موقفهم المتأثر بالموقف السعودي الرافض لوصول رئيس يميل الى حزب الله وخط المقاومة. على هذا الصعيد ظهرت بعض الأصوات من بين النواب تندد بمضمون الاجتماع على مثال النائب جهاد الصمد الذي انتقد مضمون الاجتماع بشكل علني.
يبقى موقف كتلة الاشتراكي التي تميل الى انتخاب رئيس وسطي يكون محط اجماع بين كل الكتل وهو امر لن يتوفّر في جلسة اليوم. وحتى لو كان هناك مرشح واحد لفريق المعارضة أو لفريق الموالاة، إلا أن قدرة التعطيل لدى كل فريق كبيرة وبالتالي وكخلاصة لكل ما سبق، يُمكن الاستنتاج ان جلسة اليوم لن تؤدي الى انتخاب رئيس جمهورية بل ستكون محاولة أولى كما ذكرت مصادر كتلة الوفاء للمقاومة، جس نبض الكتل النيابية.
إلى هذا ترى مصادر مُطلعة أن الدعوة لجلسة انتخاب تأتي في اطار عملية تعطيل واضحة لتشكيل الحكومة نظرا الى ان الرئيس ميقاتي لم يعد يملك هامشا واسعا للتحرك امام مطالب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي عاد الى المطالبة بحصة الأسد في الحكومة لعلمه بانعدام حظوظ النائب جبران باسيل بالوصول الى سدة الرئاسة وهو ما لا يعارضه حزب الله نظرا الى الثقة الكبيرة التي يكنها لشخص الرئيس عون. وبالتالي يمكن الاستنتاج ان معركة انتخاب رئيس الجمهورية هي معركة تسجيل نقاط بين الرئيس برّي من جهة وبين الرئيس عون من جهة أخرى. إلا أن هذه المعركة تحوي على لاعب وازن وهو المعارضة التي لم تسجّل حتى الساعة أي نقاط على هذا الصعيد. فهل يكون هناك عوامل خارجة تستطيع توحيد المعارضة؟ بالطبع يجب انتظار ما سيحصل اليوم لتحديد تموضع الكتل ومعرفة السيناريوهات المطروحة.
على صعيد أخر أعطى ضغط صندوق النقد الدولي بتحرير سعر صرف الليرة مفعوله حيث أصدر قرار رفع فيه سعر صرف الليرة الرسمي إلى 15 الف ليرة مقابل الدولار الأميركي واضعا بالتالي حدا لسعر صرف الـ 1507.5 ليرة لبنانية منذ العام 1997. وجاء في بيان وزارة المال «بعدما أقرّ مجلس النواب الموازنة العامة للعام 2022، حيث اعتُمد سعر صرف 15000 ل.ل. مقابل كل دولار أميركي، وبعدما بات من الملحّ تصحيح تداعيات التدهور الحاد في سعر الصرف وتعدّديته على المالية العامة، وذلك تقليصاً للعجز وتأميناً للاستقرار المالي».
وأضاف، «بما أن السير بخطّة التعافي المالي والنقدي والنهوض بالإقتصاد يتطلب توحيد سعر الصرف، ولذا، أصبح وقف العمل بسعر صرف الدولار الأميركي على أساس 1507 ل.ل. إجراءً تصحيحياً لا بدّ منه».
وتابع، «وعليه، وكخطوة أولى بإتجاه توحيد سعر الصرف تدريجياً، تمّ الإتّفاق بين وزارة المالية والمصرف المركزي على إعتماد سعر 15.000 ل.ل. مقابل كل دولار اميركي، عملاً بأحكام المادتين و75 و83 من قانون النقد والتسليف، كما وسائر النصوص التنظيمية والتطبيقية الصادرة عن مصرف لبنان.
وشدّد البيان، «على أن تعمل السلطات المالية والنقدية على احتواء أي تداعيات على الأوضاع الاجتماعية للمواطن اللبناني (على سبيل المثال القروض السكنية) وكذلك على مساعدة القطاع الخاص على الانتقال المنظّم الى سعر الصرف الجديد المعتمد». وختم البيان بالتأكيد على بدء اعتماد هذا السعر إعتباراً من أول تشرين الثاني 2022.
الإشكالية التي تطرح هي حول قانونية هذا القرار خصوصا انه موازنة العام 1998 المادة 21 حددت سعر الصرف بـ 1507.5 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي. وبالتالي لا يمكن تغيير السعر الا بقانون. هذه الإشكالية القانونية لن تأخذ مجراها الا اذا كانت تداعيات قرار وزارة المال كارثية.
وبالحديث عن التداعيات، يجب معرفة أن سعر دولار الضريبة على القيمة المضافة وسعر الدولار الجمركي أصبح 15000 ليرة لبنانية مما يعني أن الأسعار سترتفع ومعها سيستفيد التجار الفاسدون عبر رفع اسعارهم الى مستويات عالية بحجة رفع الدولار. وهذا الامر يتطلب من وزارة الاقتصاد والتجارة صرامة اكثر في عملية الرقابة. أيضا للقرار تداعيات على رأسمال الشركات التي ستجد رأسمالها يذوب وهو ما سيعرضها الى عدم اهليتها بالتعامل مع الشركات الأجنبية.
القرار أتى على خلفية إقرار الموازنة التي رفعت أجور القطاع العام الى 3 تريليون ليرة لبنانية شهريا من دون ان يكون هناك تمويل لها وهو ما دفع الحكومة الى رفع سعر الصرف على الضريبة على القيمة المضافة والدولار الجمركي.
الى هذا تشير المعلومات ان المصرف المركزي سيركز عمله في المرحلة المقبلة على تطويق تداعيات هذا القرار من خلال إبقاء القروض السكنية للأفراد على سعر صرف 1500 ليرة كما أنه التعاميم سيتم تعديلها تدريجيا تفاديا لتضخم هائل خلقته موازنة العام 2022.