كريم حسامي
"الطعام عملة"... أصبحت عملة صعبة أيضاً كالدولار، لكن نتيجة فقدانها أقسى بكثير على الإنسان، تتجلى بالمجاعة.
لنبدأ بأقوى دولة عظمى مع أقوى سياسة واقتصاد وجيش، الولايات المتحدة الأميركية، حيث بدأت أزمة المواد الغذائية ولحوم ترخي بظلالها، في وقت تكلمت صحف عدة عنها وإحدى المقالات كانت تحت عنوان: "أين لحم البقر؟"... فنتيجة ما يحصل قد يؤثّر على ما تتضمنه مائدة العشاء لدى الناس.
لقد وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً للتأكّد من أن عمليات معالجة اللحوم ستبقى مفتوحة لإطعام الأميركيين واعتبارها بنية تحتية مهمة، فيما حذّر الرئيس التنفيذي لشركة "Tyson" للأغذية من أن "ملايين الأرطال من اللحوم ستختفي من سلسلة التوريد وملايين الحيوانات التي يتم تربيتها للذبح قد يتم دفنها حية".
وأضاف أنه "للمرة الأولى منذ أزمة النفط في السبعينيات، قد يتعرض الأميركيون على نطاق واسع لنقص التقنين في الغذاء، ما يؤدي إلى اصطفافهم في خطوط طويلة للحصول على المورد الأساسي لحياتهم".
لكّن هذا ما تشهده الولايات المتحدة، حيث تُعاني نسبة كبيرة من الجمعيات الخيرية من عبء فقدان عدد من الأميركيين وظائفهم (نحو 30 مليون أميركي في الأسابيع الماضي)، ما انعكس على الجمعيات في عملية تأمين الغذاء، وباتت تؤمّن المواد الغذائية بنسبة تصل الى 70 بالمئة.
وتواجه هذه المشكلة نحو 95 بالمئة من كل بنوك الأغذية في شبكة Feeding America غير الربحية، ويخشى عدد كبير منها، إذا استمر الاغلاق ونظام العزل، انه لن يكون لديهم ما يكفي من المال لجميع المحتاجين الذين يتزايد عددهم سريعاً.
في السياق، يقول أحد المسؤولين في هذه الجمعيات أنّه "لم يرى أبداً مثل هذه الطوابير الضخمة الذي يبلغ طولها كيلومترات تصطف أمام محلات البقالة، حيث وصل عدد الأشخاص الذين طلبوا الطعام لعشرة آلاف شخص في الأسبوع الماضي". وأضاف: "ليس هناك نهاية للأزمة ولا لطوابير السيارات"، مشيراً إلى أنّ "بنك الطعام كان يُقدّم خدماته لنحو ألف شخص في سان أنطونيو قبل "كورونا"، لكن بعد تفشي الفيروس، أصبح الرقم 120 ألف".
وأكّد المسؤول انه "قبل انخفاض الرقم، ستصبح الطوابير أطول ويجب ان نكون مستعدين لاطعامهم، والمشكلة الأكبر هي ما إذا كان لدينا ما يكفي من الغذاء".
ووفق دراسات، سيبدأ قريبا نحو 17.1 مليون أميركي في الدخول بمرحلة نقص الغذاء.
والدليل الإضافي ان الطعام عملة هو في بيع كامل مخازن المواد الغذائية وتصفيتها خلال الأشهر الماضية، في وقت كانت الحكومة الأميركية تشتري محلات الأغذية وعبوات الطعام طويلة الأجل كإجراء وقائي لإطعام الشعب الأميركي عند الحاجة.
وقد أوصت الحكومة الأميركية بتخزين الطعام والمياه لأكثر من ستة أشهر ولفترة طويلة جداً، حيث استفاد من هذه التوصية عدد كبير من المواطنين وأصبح لديهم ما يكفي من المواد الأساسية.
في المقابل، ارتفعت أسعار اللحوم والمواد الغذائية نحو 60 بالمئة، وفق بيانات رسمية أميركية، لتصل لرقم قياسي توازياً مع إغلاق مصانع تعبئة اللحوم أبوابها.
ويتساءل الأميركيون: أي مجال ستشمل تداعيات هذه الأزمة أيضاً؟ المعلومات تشير إلى أن التقنين يشمل أيضاً قطاع الأدوية.
بعد استطلاع تفاصيل الوضع الأميركي لإظهار أن الدول "العظمى" ليست بمنأى عن هذه الأزمات العميقة التي وصلت إلى بريطانيا حيث أظهرت دراسة أن أكثر من 400 ألف من سُكّان لندن يُعانون من الجوع بسبب كورونا. ويُحذّر خبراء من تفاقم أزمة الغذاء في العاصمة البريطانية.
وتؤكّد نتائج استطلاع أنّ "6 بالمئة من سكان لندن يقولون إنّهم أو أفراد عائلاتهم لم يتمكنوا من تناول الطعام أثناء العزل الصحي".
عندما نرى الدول "الغنية"، هل لنا تصوّر حال الدول "الضعيفة" مثل لبنان التي تطاله هذه الأزمة على عشرة أضعاف مع الأزمات السياسية والاقتصادية والنقدية والبنيوية إلخ؟ كيف له أن يتحمّل هذه الضغوط بعدما انهار ووسط تحذيرات من موجة كورونا ثانية؟