الديار
ظهر من المؤشرات السياسية أن لا تشكيل للحكومة أقلّه حتى انقضاء ولاية رئيس الجمهورية. وبالتالي لن يكون بمقدور السلطات اللبنانية القيام بأي إصلاحات بحكم أن الإصلاحات تتطلّب توافقًا داخليًا (غير موجود) بين القوى السياسية وعلى الطريقة اللبنانية، أي على حساب الخزينة العامة، وهو ما يرفضه رفضًا قاطعًا المجتمع الدولي ويمكن ملاحظته من أداء الحكومة الحالية تجاه موظّفي القطاع العام. هؤلاء يعتبرهم (أقلّه قسم كبير منهم) المجتمع الدوّلي ترجمة للفساد الذي مارسته السلطة السياسية على مرّ عقود بهدف وضع اليدّ على موارد الدولة وترسيخ الزبائنية الطائفية والحزبية.
من هذا المنطلق يبقى هناك سيناريو واحد حتى نهاية ولاية الرئيس عون في 31 تشرين الأول 2022. وينص هذا السيناريو على استمرار الوضع السياسي على ما هو عليه في ظل تردّ مستمر للوضع الاقتصادي خصوصًا مع بدء شهر أيلول وذهاب المغتربين والسياح وبدء دفع أقساط المدارس والجامعات وشراء المحروقات للشتاء وغيرها من المصاريف التي ستجعل المواطن يئن بشكل كبير. وهنا تبدأ الحاجة إلى الدعم الدولي خصوصًا مع تراجع الكتلة النقدية بالدولار الأميركي حيث قدّر الباحث الدكتور عماد رزق في مقابلة تلفزيونية على موقع «صوت بيروت انترناشونال» أن حجم الأموال بالعملة الصعبة التي تخرجّ من لبنان شهريًا يصل إلى حدود الـ 700 مليون دولار أميركي بالإضافة إلى حجم استيراد شهري يوازي المليار ونيّفا.
مما تقدّم نرى أن قدرة مصرف لبنان وقدرة المصارف على تأمين الدولارات ستتراجع حكمًا مع قوى سياسية تستهدف القطاع المصرفي وحكومة أعلنت وقف دفع دينها العام، وهو ما يعني عزل القطاع المصرفي عن النظام المالي العالمي. هذا الواقع سينعكس ارتفاعًا في الدولار الأميركي إذ صرّح رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في مجالسه الخاصة أن الدولار سيصل إلى حدود الـ 60 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد وذلك نتيجة الدعم المقدّم للقطاع العام.
ارتفاع الدولار إلى هذه المستويات يعني بكل بساطة ارتفاع أسعار كل السلع والمواد الغذائية والأساسية والمحروقات والأدوية والقضاء على المستشفيات وعلى التعليم... وفي ظل تفكّك مؤسسات الدولة وبدء عناصرها المدنيين والأمنيين التجارة بالدولار كما أظهره تقرير لموقع «ليبانون ديبايت»، فقدت الدولة سيطرتها الكاملة على السوق وأصبح المواطن يعيش في غابة متوحشّة ينهش فيها أعضاؤها بعضهم بعضًا! ليصح القول الكريم « قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ».
ويقول أحد المحلّلين السياسيين إن الوصول إلى هذه النقطة قد يفرض واقعًا يكون فيه الجيش هو الماسك بزمام الأمور سواء كان من خلال الإطاحة بهذه السلطة أو من خلال تكليف من هذه السلطة له، بحكم عجزها عن القيام بمهامها من خلال مؤسساتها الرقابية والأمنية. ويضيف أنه حتى ولو كان لدى المجتمع الدولي نفور من تولّي العسكر الحكم في بلد، إلا أن الجيش اللبناني أظهر على مرّ السنين أنه مؤسسة موثوقًا بها وتحترم كلمتها.
إذًا ومما تقدّم نرى أن تطورّ الأمور بدأ يخرج عن سيطرة القوى السياسية التي تشكّل السلطة السياسية، وهو ما نبّه اليه المبعوث الفرنسي دوكان خلال زيارته الأخيرة حيث – وبحسب أحد الحاضرين – رفع دوكان أصبعه بوجّه الحاضرين وقال «الأمور بدأت بالخروج عن السيطرة، انتبهوا».
إلى هذا تستمر عمليات التضييق على القطاع المصرفي الذي أعلن إضرابًا يستمر لمدّة ثلاثة أيام (أقلّه). هذا الإضراب الذي جاء ردًا على الملاحقات القضائية التي تستهدف مسؤولي القطاع والذي تعتبره جمعية المصارف أنه استهداف للقطاع، سيترك أثرًا ملحوظًا على المواطن وذلك من خلال عدم قدرته على سحب الأموال من حساباته في المصارف وعدم قدرته على قبض أجره الشهري! وهو ما يعني تصعيدا خطرا تتحمّل مسؤوليته الحكومة التي تعجز عن القيام بواجباتها من ناحية إعادة هيكلة القطاع وحمايته من هجمات القوى السياسية التي تتدخل في القضاء بشكل مفضوح.