حاكمٌ و طبّاخون
حاكمٌ و طبّاخون

خاص - Saturday, May 2, 2020 8:29:00 AM

الإعلامي د. كريستيان أوسي

ما كاشف به حاكم المصرف المركزي رياض سلامة اللبنانيين عن حقيقة الأرقام وواقع العجز و الفجوة المالية في المصرف مهم جداً، و هو أصرّ على إعلانه، حتى لو استجلب له ويلاً وثبوراً وعظائم أمور، فمن أوصل البلد الى قعر الهاوية شبكةٌ معقدة من المصالح قامت منذ أوائل التسعينات و تسلّطت على الدولة وأدارت منافعها الخاصة على حسابها.

من أهم ما تحدث عنه حامل مفاتيح السياسة النقدية في البلاد، إشاراته المتعددة الى مسؤولية السياسة والسياسيين، من ممارسين أو مسؤولين، وإلى الدولة، في عدم التحوّط للواقع الاقتصادي المأزوم و عدم القيام بأيٍّ من الخطوات الإصلاحية وإدخال البلاد في حقبات فراغ متعددة، و عدم ملاقاة "مؤتمر سيدر" في مطالبه للإفادة من فوائده القيمة جداً، والاستمرار في سياسات العجز ورفض التوافق على خطة طريق وإنفاق المال العام من دون طائل.

من الملامح المهمة في مواقف الحاكم، تمنيّه لو انّ المستشارين الذين عكفوا على درس ميزانيات المصرف تكلّفوا عناء التنسيق مع المسؤولين فيه لشرح الأرقام، لا الخروج بأرقام من دون معرفة خلفياتها أو مدى عكسها للواقع، كما انه شدّد على رفضه سياسة الهيركات محذراً من تداعياتها المميتة، وعلى تأكيده على وجوب صيانة القطاع المصرفي لانه يبقى واحداً من مفاتيح الحل.

ما قاله رياض سلامة حمل في أبعاده انتقاداً واضحاً وصريحاً و مباشراً للطبقة السياسية، ورفضاً بالمطلق للاتهامات التي وُجّهت إليه، محمّلة إياه، وحده، مسؤولية ما آلت اليه أوضاع البلاد. كما أنه حمل في طياته انتقاداً، أو أقله عدم رضى على بعض ملامح الخطة الاقتصادية للحكومة في تركيزها على المصارف وبعض فئات المودعين، مؤكداً انّ إمكانات الخروج من الدوامة متاحة، شريطة الالتزام بإطار إصلاحي يخفّف العجز والإنفاق غير المجدي.

هو كلام لا يوافقه عليه كثرٌ من المصرّين على تحميله المسؤولية أو جزءاً من مسؤلية أوسع تشمل قطاعات سياسية و تنفيذية...

من جهتها ، الحكومة ماضية في خطتها الإصلاحية، بينما اللبنانيون تشملهم الخشية، إن لم يكن على إيداعاتهم، فأقّله على قيمة هذه الإيداعات ذلك أنّ المصرف المركزي مطوّق بعجزه المالي عن التحرك، و المصارف تنقصها السيولة بالعملة الأجنبية، والليرة الى تراجع انهزامي، و الناس تئن من الغلاء ومن فقد القدرة الشرائية أو حتى من الحصول على راتب يكفي ... أو ربما لا يكفي.

يقول بعض المطلعين انه جرى، في موازاة الخطة الاقتصادية للحكومة، الإعداد لبعض افكار من قبل بعض الهيئات الاقتصادية، قضت بأن يصار الى البحث عن حلول من خلال توزيع مسؤلية الدين على اربع فئات:

-الدولة
-مصرف لبنان
-المصارف
-بعض المودعين

و نصّت الأفكار على أن تتحمل الدولة جزءاً من الدين (يوازي ٢٠ الى ٢٥ مليار دولار) وأن يتحمّل المصرف المركزي والمصارف حصة كبيرة تسدد على خمس سنوات، و أن يصار الى احتساب حسابات المودعين الذين تفوق ودائعهم المليون دولار لفترة تمتد الى خمس سنوات مضت، لتُقتطع الفوائد المكتسبة في خلال هذه الفترة و عدم المسّ بأصل الوديعة.

العاملون على هذه الخطة يجزمون بأنّ أساس الحل هو العمل على إراحة المجتمع في خلال سنتين وإعادة الحيوية الى القطاع المصرفي في خلال أربع سنوات وحفظ أموال الناس.... الا انّ النجاح مرتبط بالمدى الذي ستذهب اليه خطة الدولة للإصلاح المالي والهيكلي لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بما يكفل إعادة جريان السيولة نحو البلاد، وهو ما ينبغي متابعة مساره لمعرفة النتائج، علماً انّ خطة الحكومة لم تأخذ بأيٍّ مما ورد في هذه الأفكار!

الحاكم باقٍ إذًا،
ولم يكثر الطباخون بعد،
.... فهل هو فأل خير ؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني