العلمانية الى النكسة
العلمانية الى النكسة

خاص - Tuesday, May 24, 2022 12:04:00 PM

ربيع صفير- مصرفي واستاذ جامعي

 

العلمانية بتعريفها المبسّط هي فصل الدين عن الدولة. تظهر فوائد العلمانية بشكلها الحالي في معظم الدول المتقدّمة، لكن هل هي قابلة للتطبيق في لبنان وما هو تأثير التغيّر الديموغرافي في تلك الدول على تطبيقها؟

يحمل مبدأ العلمانية متغيّرات في تطبيقه بحسب المجتمعات المختلفة. برغم علمانيتها، تصرف فرنسا مثلاً رواتب أساتذة المدارس الكاثوليكية التي تعلّم الدين المسيحي. في بريطانيا العلمانية، يُعدّ رأس الدولة رأساً للكنيسة أيضاً، فيما شعار الولايات المتحدة هو الإيمان بالله.

نلاحظ راهناً، إن التطرّف في تطبيق العلمانية مترابط جداً بقساوة الكنيسة خلال إمساكها سابقاً بقرارات الملوك والمجالس الحاكمة.

تشبه العلمانية سياسة دفن الرؤوس في الرمال، فالدولة لا تعترف بالأشخاص إلا كمواطنين وتصرف النظر عن أي رهاب جماعي لغرباء أو بعض مطالبات الغرباء كمجموعة دينية قد يؤثر على صمود هذا النظام.

تواجه فرنسا تلك الأزمة، فصعود موجة اليمين بموازاة الخوف من المهاجرين، ينذر بمواجهة قد تهدّد علمانيتها بشكلها الحالي. شكّل وصول ترامب في الولايات المتحدة وجونسون في بريطانيا أمثلة أخرى على الخوف من قبول الآخر. تشبه العلمانية النظام الإسلامي، ويبدو انها غير مفيدة سوى في ديموغرافيات أحادية الدين.

في لبنان، تأخذ العلمانية، كما هي مطروحة، العديد من الأشكال. ينصبّ التركيز على تدخل الدين في الدولة، التوزيع الطائفي في مجلس النواب ودوائر الدولة، التعليم الديني في المدارس والأحوال الشخصية.

تاريخياً، لم يكن للمؤسّسات الدينية مثل الكنيسة، دار الافتاء والمجلس الإسلامي الشيعي وغيرهم الدور الأساس في توجيه سياسات الدولة، ولم تكن قادرة يوماً على معاقبة مخالفي القانون.

برز تدخّلهم عند غياب الدولة، والأحزاب لم تستجب لهم سوى لدى التلاقي مع مصالحهم وخطوطهم الحمراء. مثال على هذا التدخل، طرح البطريرك للحياد، فهل طُبّق؟ من تقبّله ومن عارضه؟

من هنا، اخذين بالإعتبار مساهمتهم الاجتماعية والسياسية يمكن القول إن المردود الصافي للمؤسسات الدينية على المجتمع إيجابي. وإذا أردنا البقاء كدولة تتغنى بالحرية، لا يمكننا إسكات رجال الدين عن إبداء رأيهم في الشأن العام.

لحلّ تلك الإشكالية، يمكن مثلاً الفرض على رجال الدين خلع ملابسهم الدينية عند إبداء آراء متعلّقة بالشأن العام، أو يجب أن تشرع الدولة في حل مشاكل الناس فينكفئون تلقائيا عن دورهم في السياسة.

ورغم قساوة بعض رجال الدين، إلا انهم لم يعاملوا الشعب بالقساوة التي شهدتها الأنظمة الدينية في دول أخرى. دعونا لا نظلم تلك الفئة بقمع حرية تعبيرهم، وبحال مخالفتهم القوانين أو تهديدهم السلم الأهلي فلتتم معاقبتهم كمدنيين.

في مجلس النواب، وفّر التوزيع الطائفي ضمانات، ولو كانت معنوية، لمعتنقي الطوائف اللبنانية. لكن باتت المشكلة تكمن بفساد أكثرية أعضائه الذين أوصلوا حكومات فاسدة على شاكلتهم. لا تكمن العلّة إذاً بشكل مجلس النواب الذي حمى الدولة من انهيار أكبر لو لم تكن الطوائف ممثلة فيه بعدل.

انظروا إلى المشهد الآن، فالجميع يرمي مسؤولية الفشل على غيره. هل تتخيلون هذا المشهد فيما لو كانت طائفة ما ممسكة أكثر من غيرها بالحكم؟ هل من يتذكر المشهد قبل العام 1975؟ إذاً العلمانية الكاملة قد تؤدّي إلى تشرذم أكبر ولا تحمي من التغيّرات الديموغرافية في المجتمع.

فلنحافظ على هذه النسب ونستبدل قانون انتخاب جذّر قبائلية مجتمعية وأوصل إلى البرلمان عدد أحزاب يوازي ثلاث دول.

نظّموا قانون الأحزاب بما يتناغم مع مكوّنات البلد. إذا ارتأت تلك الأحزاب الوطنية إن المجتمع جاهز للعلمانية المطلقة فلتباشر فيها، لكننا  لسنا جاهزين لها الآن، فيما ستكون الدول العلمانية مجبرة قريباً على إعادة دراسة أنظمتها، تفادياً لوقوع المزيد من المشاكل وبروز متطرفين من الجهتين.

على صعيد التعليم الديني، إذا أردنا أن نكون دولة الرسالة ومثال العيش المشترك، وهو أفضل بكثير من العلمانية، فعلى الحكومة أن تفرض تعليم الدين الاسلامي والمسيحي في جميع المدارس بمنهج تضعه الدولة. أين سنكون بعد 15 سنة؟ سيكون لنا جيل مثقف دينياً يفهم دينه ودين غيره ويصبح قبول الآخر أسهل. تذكّروا فقط إن الناس لا تخاف إلا مما تجهل.

ولا تنسوا كتابة تاريخنا، فإذا استمرت الأجيال المقبلة باستقاء أخبار مغلوطة حسب أهوائها عن تاريخنا، سيبقى تطبيق العلمانية أصعب. لا تشجعوا الناس فقط على المحبة بل اجبروها على العيش سوياً تحت القانون وتطبيقه بشكل عادل على الجميع.

أخيراً في الأحوال الشخصية، أزيلوا تدخل الدين بأحوال الناس من جذوره. الزموا الشعب بالزواج المدني على أن يكون الديني اختيارياً وأن تكون الأولوية للطلاق المدني. ألغوا القيد الطائفي على إخراج القيد، ألغوا المحاكم الدينية إذا لزم الأمر وافصلوا الأحوال الشخصية عن الدين. قد تكون تلك الخطوة الأولى نحو العلمانية.

أيها اللبنانيون، لا تدعوا أحداً يصرفكم عن الموضوع الأساس، لبنان انهار بسبب فساد مالي مهول أدّى إلى فساد سياسي. هكذا بدأت الثورة وهذا هو التوجه الأساس. لا تحرفوا الأنظار إلى تفاصيل قد تكون في الشكل مشكلة لكن في المضمون لا تأثير لها أو تأثيرها طفيف على ما آلت إليه الأمور

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني