يمنى المقداد - الديار
جرت العادة أن ترتفع أسعار الخضر والحشائش في لبنان قبيل شهر رمضان المبارك بوقت قصير نظرا لازدياد الطلب عليها، لكونها ركيزة المائدة الرمضانية من خلال طبق «الفتوش» تحديدا، لكن اليوم بدأ عدّادها بالتحليق مبكرا وبأرقام مرعبة لم تشهدها أسواق لبنان من قبل.
في جولة على أسعار الخضر والحشائش (حتى تاريخ 1 نيسان 2022) في إحدى المناطق الشعبية حيث عادة ما تكون أقلّ من قرينتها المصفوفة بعناية شديدة فوق رفوف التعاونيات الضخمة، يترواح سعر البندورة 1 كيلو بين 22 و28 ألف ليرة، الخيار 1 كيلو: بين 20 و 30 ألف ليرة.
أمّا أسعار الحشائش: خسة عدد 1: 15 ألف ليرة، بقدونس عدد 1: 5 أو 6 آلاف ليرة- نعنع عدد 1: 5000 ليرة، بصل أخضر: 6 آلاف ليرة، 1 كيلو بصل عادي لبناني: 7 آلاف ليرة، هندي: 11 ألف ليرة، مصري 8 آلاف ليرة، فليفلة خضراء: 1 كيلو: إرتفع سعرها من 25 ألف ليرة منذ يومين لنحو 40 ألف ليرة، فيما ارتفعت أسعار الفجل و البقلة والصعتر الأخضر 1 ضمة لما فوق 10 آلاف ليرة، على أن هناك محلات أخرى وصلت فيها «ضمة» النعنع والبقدونس إلى 10 آلاف ليرة.
وبحسبة بسيطة لكلفة طبق الفتوش لأربعة أشخاص،على مدى ثلاثة أيام بمكونات محددة ( خس-بقدونس-نعنع-بندورة-خيار مع زيت وخبز)، ووفق هذه الأسعا فإنّها تبلغ نحو 100 ألف ليرة، أي ما يقارب 200 ألف ليرة كلّ 10 أيّام تقريبا، أو 600 ألف ليرة شهريا كحدّ أدنى، وحتّى لو قرّر البعض الإستغناء عن هذا الطقس الرمضاني الذي يعتبر غذاء ضروريا للصائم، وأراد إستبداله بمكوّن غذائيّ آخر، فأسعار المواد الغذائيّة برمّتها «نار» .
عطفا على ذلك، سؤال يطرح بشأن تكلفة باقي مكوّنات المائدة الرمضانية كالطبق الرئيسي وبعض المقبلات الخفيفة، والسحور ولوزامه، ومصروف الزيت والغاز والخبز، ولو سلّمنا بمائدة رمضانية تقشفيّة فمكوّناتها يجب ألّا تقلّ عن طبق من الحساء والأرز وبعضا من الخضار واللحوم، وهذا أصبح تعجيزيا، خصوصا لمن لا يتجاوز راتبه 10 ملايين ليرة شهريا كحدّ أدنى.
حركة البيع.. إقبال خجول واضطرار للتقشف
صاحب محل لبيع الخضر والفواكه، أكّد لـ»الديار» بأنّ أسعار الخضروات والفواكه أغلى بكثير هذا العام مقارنة بالعام الماضي وعزا ذلك الى ارتفاع سعر صرف الدولار، لكن في المقابل لم تتغيّر أسعارها ونحن ندخل الشهر الكريم باستثناء الحشائش التي ارتفع سعرها بنحو 25%، مؤكدا أنّها ستنخفض بعد أيّام قليلة، ولافتا من جهة ثانية إلى أنّ الإقبال خجولا جدا هذا العام.
إحدى الزبونات المتواجدات في المحل أشارت لـ»الديار» إلى أنّ أسعار الخضر والحشائش مرتفع جدا هذا العام، ولكنّ رغم ذلك أبدت إصرارها بعدم الإستغناء عن طبق الفتوش مهما كانت كلفته، فأولادها يحبّونه جدا، فيما أوضحت في المقابل أنّ مائدة الإفطار هذا العام لا تشبه سابقاتها فهي ستقتصرعلى طبق الفتوش والطبق الرئيسي والبطاطا المقلية والحساء، أمّا المقبلات كورق العنب والرقائق وأقراص الكبة وسواها فلن توجد على المائدة هذا العام، وختمت:» نحن مضطرون للتقشف فراتب زوجي بالليرة اللبنانية ويكفينا فقط لعشرة أيام».
وزير الزراعة: إرتفاع الأسعار بسبب حالة الطقس والإحتكار
ما هي أبرز العوامل المحلية والخارجية التي أدت إلى هذا الإرتفاع الجنوني بأسعار الخضر والحشائش والفواكه ما قبل وعلى مقربة من الشهر الكريم؟
وزير الزراعة عباس الحاج حسن كشف لـ «الديار» أنّ عوامل عديدة داخلية وخارجية تضافرت وأدّت إلى هذا الإرتفاع في الأسعار، أولا حالة الطقس والبرودة التي شهدتها المنطقة ولبنان تحديدا خلال شهر آذار ما أثّر سلبا في نموّ كلّ الخضروات، وكذلك تلك الموجودة في البيوت البلاستيكية ما خفّف من الإنتاجيّة وبالتالي رفع الأسعار، ثانيا تأثّر دول المنطقة بنفس هذه الموجات من البرد وأدّت العواصف الثلجية إلى انكماش الإنتاج في سوريا و الأردن و غيرها من الدول التي نستورد منها.
أمّا بشأن العامل الداخلي لارتفاع الأسعار وفق الوزير الحاج حسن فهو يتعلق بموضوع الإحتكار، وهو أمر يجب العمل عليه وعدم إغفاله، لافتا إلى ارتفاع الأسعار بشكل لا يتوافق بتاتا مع السعر الحقيقي لهذه المنتجات، وكالعادة مع تبدأ عملية الأسعار بالإرتفاع مع بدايات شهر رمضان المبارك مشيرا إلى أنّه يجب أن يكون هناك خطّة، وقال:»نحن شكّلنا لجنة منذ 15 يوما داخل الوزارة ، نتواصل بشكل مباشر مع وزارة الإقتصاد حتى يصار إلى أن يكون هناك تأمين للسوق من خلال ضخّ كميّات كبيرة من الخضر والفواكه على أنواعها، من خلال إستيراد كميات أكبر هذا ما عكفت عليه، وضعت أذونات سمحت لكميات كبيرة تقدّر بألف طن من الخضر، والأسبوع القادم سيكون هناك رقم كبير حتى نوازن في السوق المحلّي، وندعو كلّ التجّار والمستوردين أن يكثّفوا من عمليات الإستيراد».
وحول الدعم الذي يحتاجه القطاع الزراعي عموما كي تعود الأمور نسبيا الى نصابها، لفت الوزير الحاج حسن إلى أنّ هذا القطاع يحتاج الكثير، فالمزراع اللبناني يحتاج إلى الدعم، وما هو مهم اليوم هو وضع وكيفيّة إستدامة هذا القطاع من خلال إستدامة مياه الري والطاقة التي يجب أن تتوفر حتى يكون المزارع لديه «أريحيّة» في العمل ما يخفّض بالتالي كلفة المنتج بما لا يقلّ عن 30%.
ترشيشي
رئيس «تجمّع المزارعين والفلاحين» في البقاع إبراهيم ترشيشي، لم يبتعد في حديثه لـ»الديار» حول أسباب ارتفاع الأسعار عما قاله وزير الزراعة، فرأى أنّ هذه السنة وضعتنا أمام أمر واقع جديد نتيجة العواصف المتكررة التي تعرّض لها لبنان والتي أدّت إلى درجات حرارة منخفضة جدا إبتداء من الساحل وصولا إلى منطقة الداخل في سهل البقاع، فمن ناحية كانت سنة خير لتجديد الثروة المائية في لبنان، ومن ناحية ثانية قضت على قسم كبير من زراعة الخضر وخاصة الزراعة في البيوت البلاستيكية والتي تعرّضت تلف جزء منها فيما تأخر بالمحصول جزء آخر لما بين 15 و20 يوما، على أنّ هناك ما زرع مرتين أو 3 مرات.
وأرجع ترشيشي إرتفاع الأسعار كما في حالة سعر كيلو اللوبياء الذي وصل إلى 160 ألف ليرة، إلى قلّة إنتاجها فمثلا إذا كان لبنان يحتاج إلى 50 طن لوبياء في اليوم فإنتاجه اليوم منها لم يتجاوز 2 أو 3 طن، لافتا إلى أنّه حتى هذا الإنتاج الضعيف موجود بأعجوبة في السوق، فالمزراع قد أشعل مدفأة(غاز أو الحطب) في البيوت البلاستيكية لقطفه، موضحا أن بيت البلاستيك يحتاج إلى 4 مدافىء في الليلة الواحدة على الأقل وبالتالي كميات كبيرة من الغاز والحطب ومن هذه المزروعات: الخيار والبندورة والكوسى .
إنخفاض الأسعار قريبا
هل نحن أمام أسعار خضر وفواكه مرتفعة بشكل دائم وهل نتوقع المزيد من الارتفاع للأسعار، كلما تفاقمت العوامل المسببة؟ ينفي ترشيشي ذلك، مؤكدا أنّ الأسعار ستنخفض قليلا بدءا من يوم الاثنين المقبل، لكن الإنخفاض الكبير سيكون بين 15 و25 نيسان بحيث ستصبح الكميات أكبر بكثير ويصبح لدينا انتاج من الساحل ومن الداخل( سهل البقاع ) وستشهد الأسواق منتجات كالفول والبازلاء والخس بكميات كبيرة.
ولكن هل من دور للتصدير هنا؟ يجيب ترشيشي: يخطىء من يظن أنّ التصدير هو من يرفع الأسعار، فكلّ هذه الأصناف كالخيار والبندورة والكوسى واللوبياء والباذنجان لا تصدر إلى الخليج، فنحن كنا نستوردها منه وبكميات كبيرة من الأردن تحديدا، ولكن إنهيار عملتنا وضريبة الترانزيت عبر سوريا منعت البضائع من الوصول الى لبنان، كما أنّ طريق التصدير البرّي مقفل منذ 27 نيسان 2021 ، كما لا يجرؤ أحد على تحميلها وشحنها في البحر لانها تحتاج بين 20 و25 يوما، وحتى إن صدّرت فهي خسارة مادية، معتبرا أن هناك هجمات كبيرة على قطاع التصدير في لبنان وهذا أمر خاطىء لأننا سنصل الى أيام نجد فيها كسادا في إنتاجنا، ولن يعود أمامنا سوى التصدير ومن المنتجات التي لا بد أن تصدر: التفاح والعنب والبطاطا والحمضيات.
ورأى أنّ ارتفاع الأسعار وقلّة الإنتاج إن دل على شيء فإنه يدل على أهمية المزراع في المجتمع اللبناني ومدى حاجتنا إلى المنتوجات الوطنية، فاذا أردنا الإعتماد على التصدير من الخارج فقد نفقد أصنافا كثيرة وإن وجدناها سيكون سعرها باهظا، وأعطى مثالا أنّ سعر بطيخة مستوردة بلغ مؤخرا نحو مليوني ليرة.
خلاصة القول، شتاء لبنان القطبي قلًص الإنتاج الزراعي اللبناني رغم الوفرة المائية التي حملها إليه، ليأتي دفء نيسان فيحدث توازنا طبيعيا وبالتالي وفرة في الزرع والمياه.
إنّها الطبيعة الإلهية التي تحمل دائما الخير، على أمل أن تحمل الطبيعة البشرية الرسميّة دعما وفيرا للقطاع الزراعي في لبنان، ذلك البلد المنفرد بمناخه الزراعي ضمن بيئته الشرق أوسطية، كي يصل إلى وقت يحقّق فيه اكتفاءا ذاتيا سواء فتح له باب التصدير المقفل حصارا والمسيس عربيا أم لم يفتح، على أمل أن يحمل الشهر الكريم رحمات إلهية في وقت تندر فيه رحمات البشر اللبنانية.