رنى سعرتي
في نهاية الاسبوع المقبل، تنتهي مهمة وفد صندوق النقد الدولي الذي يتابع المفاوضات مع الحكومة اللبنانية، بهدف التوصّل الى «الاتفاق المبدئي» المنشود قبل موعد الانتخابات النيابية وانتهاء ولاية الحكومة الحالية.
في موسم الانتخابات النيابية، كيف يمكن إقرار الاصلاحات المشروطة من قبل صندوق النقد الدولي لتوقيع هذا الاتفاق المبدئي، خصوصا ان تجربة احالة اقتراح قانون الكابيتال كونترول اوائل الاسبوع الى اللجان النيابية وكيفية التعاطي السلبي معه لم تكن مشجّعة ولا توحي بأن الكتل النيابية مُدركة لخطورة الوضع المتأزّم الذي وصلت اليه البلاد على الصعيد المالي والاقتصادي، ومستعدّة لخوض مسار غير شعبوي للاصلاح والنهوض والمشاركة في اقرار اجراءات لا تخدم مصالحها الانتخابية قبَيل موعد هذا الاستحقاق النيابي المنتظر. والدليل على ذلك، كمّية الاصوات النيابية الهائلة التي عَلت اعتراضاً على قانون الكابيتال كونترول، بحجّة حماية حقوق المودعين، علما ان أصواتهم كان يجب ان تعلو في تشرين الثاني 2019 مطالبة بإقرار هذا القانون في اسرع وقت ممكن لحماية مدّخرات ناخبيهم، وليس الآن بعد تأخر اقراره عامين ونصف العام.
وإذا كان صندوق النقد الدولي قد اعتبر إبّان اندلاع الأزمة المالية في قبرص، ان البلاد تأخرت في اقرار قانون الكابيتال كونترول، مع الاشارة الى ان مدّة التأخير كانت يومين فقط، كيف سينظر الى لبنان وحكامه الذين تأخروا 3 اعوام، ولم يتفقوا بعد على هذا القانون؟ هل سيستمرّ في «هدر» وقته مع سلطة لا نيّة لها في الاصلاح؟ وهل سيوقع مع الحكومة «اتفاقا مبدئيا» حول برنامج إنقاذ مبنيّ فقط على حسن النوايا والأمل بأن تنتج الانتخابات النيباية سلطة تشريعية جديدة، قد تلتزم ربما بتطبيق بنود أي برنامج تمويل قد يتم الاتفاق عليه؟
هل تكفي النوايا الحسنة والوعود لتوقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي؟ وإذا كان إقرار قانون الكابيتال كونترول قد أثار هذا الكمّ من الامتعاض والاستعراض الشعبوي لدى شريحة كبيرة من اعضاء السلطة التشريعية، كيف سيتم بالتالي اقرار القوانين الاصلاحية الاخرى الاكثر جدلاً كالموازنة او الاجراءات المتعلّقة بوزارة الطاقة خصوصا الهيئة الناظمة التي اثارت توترا بين الطرفين، وغيرها من الاجراءات المرتبطة بالفساد والتهرب الضريبي وضبط الحدود؟
في هذا الاطار، اوضح المسؤول السابق في صندوق النقد الدولي د. محمد الحاج ان بعثة الصندوق التي زارت لبنان قبل حوالى الاسبوعين، جالت على الرؤساء الثلاثة لإطلاعهم على توقعات الصندوق بالنسبة الى الاصلاحات التي ينبغي على لبنان تطبيقها وشروط الصندوق من اجل التوصّل الى اتفاق مع لبنان حول برنامج إنقاذ مموّل من قبله، يكون مُتّسقاً من ناحية السياسات الاقتصادية، معتبرا ان الزيارة السابقة كانت بمثابة عملية «جسّ نبض» المسؤولين حول استعدادهم لتطبيق الاصلاحات الهيكلية والتأكد من انهم على دراية تامّة بالاجراءات المطلوبة.
واشار الحاج لـ«الجمهورية» الى انّ وفد الصندوق، مع انتهاء مهمّته الحالية، سيصدر تقريرا (staff report) يتطرق بشكل عام الى المشاكل التي يعانيها لبنان والحلول المقترحة، وسيُرفق هذا التقرير بما يسمّى بـ memorandum of economic and financial policies الذي يتطرق بالتفاصيل الى الاصلاحات والاجراءات المنوي تطبيقها في كافة القطاعات على ان تقوم الحكومة بتحضير هذه الوثيقة بالتنسيق مع صندوق النقد.
بالاضافة الى ذلك، يتعيّن على الحكومة ان تقوم بإصلاحات واجراءات اولية مطلوبة (prior actions) من قبل صندوق النقد الدولي، كما يتوجب عليها بعد ذلك ان تبعث برسالة حسن نوايا (letter of intent) الى المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، تتعهّد من خلالها باتخاذ كافة الاجراءات الواردة في الـ memorandum of economic and financial policies، والتي من شأنها تحقيق اهداف الصندوق المتمثلة بوقف الانهيار ووضع خريطة طريق لتنفيذ الاصلاحات الهيكلية في الاقتصاد وتحقيق النمو، «ولكن بالنسبة لوضع لبنان، سيكون عليه ان ينفذ الاصلاحات والاجراءات الاولية المطلوبة (prior actions) قبل الوصول الى مرحلة رسالة حسن النوايا، على غرار الكابيتال كونترول وغيره من القوانين... حيث انه بتاريخ اتخاذ تلك الاجراءات الاولية المتّفق عليها، يتم إرسال هذه الرسالة الى مديرة الصندوق من اجل رفع التقرير الى اعضاء مجلس ادارة الصندوق والحصول على موافقته لتمويل البرنامج.
وقال الحاج ان الاتفاق المبدئي بين لبنان وصندوق النقد الدولي staff level agreement سيتضمن كافة الاجراءات المطلوبة من قبل الصندوق والمتوقع تنفيذها من قبل السلطات اللبنانية، بالاضافة الى الاصلاحات والاجراءات الاولية المطلوب تنفيذها (prior actions) والتي، بعد تطبيقها، سيتم تحويل الاتفاق المبدئي الى برنامج تمويل.