النهار
بدا من المفارقات الغريبة التي تواكب المواجهة القضائية المصرفية المتقطعة الفصول ان يشهد اللبنانيون على تحطيم رقم قياسي “تاريخي” غير مسبوق في تحديد قيمة كفالة مالية لتخلية موقوف بلغت 20 مليون دولار، فيما الخزينة اللبنانية الخاوية والأوضاع المالية ترزح تحت وطأة اكبر انهيار شهده لبنان في تاريخه. وإذا كانت قيمة الكفالة اقترنت بملف ملاحقة شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رجا سلامة، في وقت أرجئ موعد اخر للاستماع الى الحاكم نفسه الى حزيران المقبل، أي الى ما بعد الانتخابات النيابية، فان مسألة الكفالة وترحيل موعد الاستماع الى الحاكم لفترة طويلة نسبيا سلطا مزيدا من الأضواء على انتقال المواجهة بين “قضاء العهد” والسلطة المصرفية الأعلى، والمصارف عموما، الى قلب القضاء نفسه الامر الذي ترجمته جولة جديدة من الإجراءات القضائية والإجراءات القضائية المضادة . وليس خافيا ان هذه الظاهرة آخذة في الاشتداد ومرشحة لتطورات جديدة مع دخول البلاد الزمن الانتخابي من الباب العريض باعتبار ان كل الازمات والملفات المتصلة بالواقع الداخلي وانهياراته وكوارثه باتت عرضة للتوظيف السياسي والانتخابي بدءا برأس هرم السلطة نفسه. وليس في كلام رئيس الجمهورية ميشال عون امس عن إصراره على “محاسبة كل فاسد” قبل نهاية عهده الا امعان في سياسات الانكار وتجاهل المسؤوليات والتبعات الأساسية التي يتحملها العهد في بلوغ البلاد هذا الدرك من الانهيار ودوما تحت شعار “ما خلونا”، وقد اختار الرئيس عون توقيته الجديد لاطلاق شعارات المحاسبة واستهداف الخصوم بما يتلاءم ليس والظروف الانتخابية لتياره فقط، وانما كما يبدو للظروف الرئاسية المبكرة التي يبدو عون اول من يفتتحها من خلال الترويج لتعهدات فشل عهده في التزامها منذ انتخابه وها هو يندفع اليوم الى قطع وعود متكررة حولها لغايات التمديد او الترويج للتوريث الرئاسي.
هذه التطورات جاءت غداة اقرار مجلس الوزراء الصيغة الجديدة لمشروع قانون الكابيتال كونترول والتي بدا من رفض وزراء الثنائي الشيعي ووزراء آخرين لها ان مرورها في مجلس النواب قد يكون صعبا جدا خصوصا عشية الانتخابات النيابية. ولكن إقرار المشروع الجديد عكس أيضا حجم الضغوط المتصاعدة على السلطة لإقراره بالتزامن مع التحرك الذي يقوم به وفد صندوق النقد الدولي في بيروت منذ وصوله الثلثاء الماضي.
وواصل الوفد برئاسة أرنستو راميريز امس تحركه فالتقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في حضور نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ومستشاري الرئيس ميقاتي النائب نقولا نحاس، وسمير الضاهر. وتم خلال الاجتماع عرض المراحل التي قطعتها المفاوضات بين لبنان والصندوق بشأن برنامج التعاون المالي. كما التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري رئيس بعثة الصندوق والوفد المرافق، حيث تم عرض لمراحل الحوار القائم بين لبنان والصندوق والتشريعات التي أنجزها المجلس النيابي.
الحاكم وشقيقه والكفالة
في غضون ذلك كان المحور المصرفي – القضائي يشهد تطورات جديدة من خلال ارجاء قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور، استجواب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في دعوى النيابة العامة ضده بجرم “تبييض الأموال والاثراء غير المشروع” الى شهر حزيران المقبل . وحضر الجلسة التي كانت مقررة امس الوكيل القانوني لسلامة المحامي شوقي قازان الذي قدم دفوعا شكلية.
وفي موازاة ذلك قرر القاضي منصور اخلاء سبيل رجا سلامة، شقيق الحاكم سلامة، مقابل كفالة مالية وحجز امواله في لبنان. غير ان النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون طعنت بقرار الإخلاء وأبقت رجا سلامة موقوفاً . وقدم وكيل رجا سلامة استئنافا امام الهيئة الاتهامية في جبل لبنان بقرار القاضي نقولا منصور لتخفيض الكفالة المالية فيما لم يصل الى الهيئة الاتهامية اي طلب من قبل النيابة العامة الاستئنافية التي بامكانها الاستئناف خلال ٢٤ ساعة. وعلم ان الكفالة التي طلبها القاضي منصور لإخلاء سبيل رجا سلامة هي 500 مليار ليرة لبنانية أي ما يوازي نحو 20 مليون دولار. ورأت مصادر متابعة للملف في ارجاء موعد استجواب سلامة حتى حزيران المقبل، اي الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة، محاولة لمسعى ما يبذل بين القنوات المختصة لارجاء انفجار متوقع على المستوى المصرفي سينعكس شعبيا حكما، او لتسوية ما يجري العمل عليها، الا انها استغربت بشدّة حجم الكفالة التي حددها القاضي منصور لاخلاء سبيل رجا سلامة سائلة بتهكم هل سيسدون عجز ميزانية الدولة عبرها؟
“تعهدات”عون
وسط هذا المناخ لم يجد الرئيس عون حرجا في الإيحاء المتجدد بأهدافه الخفية حيال التمديد او توريث صهره من خلال إعلانه انه “لن يترك موقعه الا وأكون قد كشفت عن كل فاسد”، معتبرا ان “مسؤولية إعادة النهوض بالبلاد تقع على من سيخلفني”، وداعيا الى “تشجيع الاوادم والشجعان على استلام مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايتي”. وقال امام المجلس التنفيذي الجديد للرابطة المارونية “ما بدي اعمل نظام رئاسي بدي اعمل رئيس” وكما فرضت إقرار التدقيق الجنائي في الحكومة أجاهد حاليا في ما يتعلق بالكابيتال كونترول”، ودعا المواطنين لأن “يقترعوا للخيار الصحيح في الانتخابات النيابية المقبلة”، وشدد على “ضرورة اصلاح القضاء وسائر المؤسسات في الدولة”، معتبرا انه “لا يمكن ان يكون هناك اصلاح طالما المؤسسات ممسوكة بل ستكون الغلبة للفساد وللعودة بالبلاد الى الوراء”.ولفت الى أن “لبنان مقبل على انتخابات نيابية وعلى الناس ان تعرف من تنتخب وان تقترع للخيار الصحيح لتتمكن من إيصال اكبر عدد ممكن من الاوادم علهم يتمكنون من تغيير الصورة القائمة لما فيه مصلحة البلد”، مشيرا الى وجود أسماء جديدة مرشحة لهذه الانتخابات “قد يجد البعض فيها إمكانية للتغيير”.
… وجعجع والحزب
في المقابل ومع تصاعد وتيرة الخطاب الانتخابي توقف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عند شعار “حزب الله” الانتخابي “باقون نحمي ونبني”، وقال: “استوقفني هذا الشعار وبالنسبة الى”باقون” ما من احد يدرك ان كنتم باقون ام لا. اما الأهم هو “نحمي ونبني” فمن طلب منكم هذه الحماية؟ وهذا ليس من شأنكم، اذ ان هذا الدور في لبنان كما في كل دول العالم يعود الى مؤسسات الدولة والجيش اللبناني والاجهزة الامنية، فضلا عن العلاقات الدولية””. واكد ان شعار “باقون نحمي ونبني” لا بيحمي ولا يبني”.