كارين عبدالنور - نداء الوطن
كما كان متوقعاً، لم تحمل المناظرة التي دعا إليها التيار الوطني الحر يوم أمس «لكشف الحقائق في ملف الكهرباء» الكثير. لا لناحية إقناع وزيري الطاقة السابقين، سيزار أبي خليل وندى بستاني، الرأي العام (من خارج فلك التيار) بصوابية الأداء الذي استحال على مدى أكثر من عقد من الزمن أقرب ما يكون إلى «صفر» كهرباء. ولا لناحية طمأنة الرأي العام نفسه إلى أن ثمة ضوءاً ما في نهاية النفق «المعتم». وقد تكون المشاركة اليتيمة لمدير عام إدارة المناقصات، د. جان العلّية، في المناظرة والإضاءة على بعض المخالفات الإدارية – على أهمية ما تضمنتها من معطيات – قد زادت الأمور التباساً. فقد بدا أن الوزيرين حاولا تسخيف مسألة المخالفات الإدارية، بما يشبه الاعتراف بحصولها، كونها ليست هي السبب في عدم توفّر التيار الكهربائي. والحال، بالنظر إلى المشهد الأعم، أن موعد الانتخابات النيابية المبدئي بعد أقل من شهرين قد جعل من المناظرة لزوم ما لا يلزم.
المواجهة مع إدارة المناقصات تتكرّر
مع غياب جميع المدعوين الآخرين، كل لأسبابه، تمحورت المناظرة حصراً حول علاقة إدارة المناقصات بوزارة الطاقة ودورها في إمرار أو عرقلة الصفقات. إذ بعد أن تم مراراً وتكراراً زجّ إسم الأولى ضمن أسباب فشل مشاريع الطاقة – وتغريدات بستاني شاهدة على ذلك - دعا العلّية، في 13/04/2021، إلى إجراء تدقيق جنائي في الصفقات العمومية كإطار عملي للإجابة على الاتهامات الموجهة إلى إدارة المناقصات بالتزوير، من دون الحصول على أي جواب. وفي الرابع من كانون الثاني من العام الحالي خرج العلّية عن صمته ثانية داعياً جميع وزراء الطاقة الذين تعاقبوا على الوزارة منذ العام 2012 – خاصة جبران باسيل، أبي خليل وبستاني - إلى مناظرة تلفزيونية مفتوحة، يتم من خلالها شرح الحقائق بالوقائع والمستندات أمام الرأي العام. فما كان من التيار الوطني الحر آنذاك إلا أن شنّ حملة ممنهجة على دائرة المناقصات الممثلة بشخص مديرها، منتقداً نهجه ومتهماً إياه بالعمل لمصلحة أطراف سياسية معيّنة. فجاء الرد مجدداً على لسان العلّية: «صرختنا المدوية في وجه هذه الجهة السياسية ليست بسبب اسمها ولا بسبب لونها، ولا بسبب ممارساتها السياسية، ولا علاقة لنا بها. بل بسبب تماديها في ضرب الإدارة العامة وضرب ركائز استقلاليتها وحيادها، من خلال إطلاق حملة سياسية انتخابية مشبوهة، تُسمّى بمحاربة الفساد، وتزج باسم إدارة المناقصات من خلال وقائع كاذبة لا صلة لها بها».
طبعاً، لم تلقَ الدعوة إلى المناظرة أي تجاوب من التيار الوطني الحر ووزرائه في حينه. لكن بسحر ساحر، قام التيار، في 18 آذار 2022، أي في خضم ارتفاع منسوب حماوة الاستحقاق الانتخابي، بدعوة السياسيين والإعلاميين الذين اتهموه بملف الكهرباء، طيلة السنوات الماضية، إلى مناظرة تلفزيونية مع كل من بستاني وأبي خليل. وقد كان لافتاً غياب باسيل من ضمن أسماء المشاركين وهو في الواقع عرّاب النهج السائد في وزارة الطاقة ووزرائها الذي خلفوه. المدعوون توزّعوا بين وزراء ونواب وخبراء وإعلاميين ونشطاء سياسيين إضافة إلى العلّية (الذي اعتبر أن المناظرة تصبّ في المصلحة العامة للبنانيين كما تهدف إلى الوصول إلى الحقائق المرجوة). وهم: الوزير نقولا نحاس والنواب أنطوان حبشي، بلال عبدالله، ياسين جابر، وعلي حسن خليل، النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان، السيدتان جيسيكا عبيد وكارول عياط، السادة جمال صغير، يحيى مولود، غسان بيضون، مارك أيوب، رياض قبيسي رياض طوق، هادي الأمين، وكل من يعتبر نفسه معنياً.
معسكران ولا كهرباء
كما هو معلوم، يرفض وزراء التيار تحميلهم مسؤولية حرمان المواطن من أبسط حقوقه (أي التغذية بالتيار الكهربائي)، باعتبار أنهم يقومون منذ سنوات بتقديم عروض قائمة على إنشاء معامل حديثة للطاقة المتجددة كمعمل دير عمار والزهراني، من دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء. كما يعزون الأسباب إلى السياسة التي منعت رفع تعرفة الكهرباء منذ العام 1994 رغم ارتفاع أسعار النفط عالمياً. ناهيك بقِدَم المعامل التي تتكبد كلفة عالية لإنتاج الطاقة الكهربائية في حين يمكن تقليص تلك الكلفة بواقع أكثر من 5 أضعاف في حال الانتقال إلى معامل جديدة. في المقابل، يعتبر المعارضون للنهج أعلاه أن السبب وراء ما وصل إليه قطاع الطاقة – ومن ضمنه صفقات البواخر والفيول - إنما هو نتيجة طبيعية لضعف الكفاءة، الهدر الداخلي، ممارسات تحوم حولها شبهات الفساد، انعدام الشفافية وعدم الالتزام بتطبيق القوانين، لا سيما القانون 462 وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع.
مناظرة... ولكن
بالعودة إلى مناظرة يوم أمس، التي جرت في مركز «لقاء» في الربوة وأدارها الإعلامي رواد ضاهر، وبينما كانت الأنظار متجهة إلى إمكانية جلاء (بعض) الحقائق، تفاجأنا بمناظرة تحوّلت إلى ردود متبادلة، لتجنح إلى الشخصي في بعض الأحيان، من دون الوصول إلى خلاصات مفيدة خاصة لضيق الوقت المخصص لها والقفز من موضوع الى آخر.
البداية كانت مع أبي خليل الذي أبدى انزعاجه من الاستخدام السياسي والإعلامي في ملف الطاقة والكهرباء، لا سيما في ظل تسريب تقرير إدارة المناقصات كاملاً إضافة إلى المراسلات ذات الصلة. وفي حين عبّرت بستاني عن رفضها للإفتراءات التي طاولت ولا تزال وزراء الطاقة السابقين، فجّر العلّية مفاجأة حيث أكد أن التسريب الإعلامي آنذاك لم يكن السبب وراء التوتر الحاصل حول ملف الطاقة، بل حادثة أخرى، قائلاً ما مفاده أنه بتاريخ 25/08/2017، وبعد أن كان قد مضى أسبوعان على إرسال تقرير إدارة المناقصات إلى كل من مجلس الوزراء ووزارة الطاقة والوزراء المعنيين، اتصل به الوزير سليم جريصاتي - وزير العدل يومها - وقام بدعوته إلى فنجان قهوة. عند وصوله، سلّمه جريصاتي رسالة «من الرئيس» ظنّها للوهلة الأولى أنها من رئيس الجمهورية، لكن جريصاتي أكمل ليبلغ العلية أنها من رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل. فما كان من العلّية إلا أن رفض التوصيف مشدّداً على موقفه كون الملف مخالفاً لقانون المحاسبة العمومية وشروط الصفقات، إذ لا يمكن لصفقة أن تتم ضمن شروط متحركة. عندها، قال جريصاتي للعلّية: «ما على الرسول إلا البلاغ». حاول الوزيران عدم التعليق المباشر على الموضوع كون جريصاتي ليس موجوداً ليدافع عن نفسه. لكن إن دل ذلك على شيء، إنما يدل على الطريقة التي تُدار فيها الأمور في كثير من الأحيان. وأكمل العلّية أنه بعد يومين صدر بيان عن مجلس الوزراء يفيد بأن إدارة المناقصات لم تنتهِ بعد من دراسة الملف، وكأنها رسالة مبطّنة للإدارة بتغيير التقرير، مردفاً: «الجميع يعرف أن جان العلّية لا قدرة لأحد على ابتزازه لأن تطبيق القانون هو هدفه الوحيد».
ثم توجه العلّية إلى أبي خليل متهماً إياه بتقديم وقائع مغلوطة لمجلس الوزراء في ما يتعلق بالقرار رقم 64 بتاريخ 21/6/2017، والسعي جاهداً إلى تمرير العرض الوحيد المقدّم، كما التنصّل من قرار مجلس الوزراء رقم 60 بتاريخ 17/8/2017 وتعطيل قرار مجلس الوزراء رقم 52 بتاريخ 24/8/2017، والقاضي بإعداد دفتر شروط جديد كما عرضه على إدارة المناقصات لإبداء ملاحظاتها عليه وكأن «لا مناقصة في حال غياب الضمانة بأن ترسو على العارض الوحيد».
وفي إطار رد على العرض والمضمون، أكد أبي خليل أن المناقصة أخذت مسارها القانوني، وأن ادعاءات إدارة المناقصات وصلت إلى القضاء ولم تفضِ إلى شيء. وهو ما لم ينكره العلّية مؤكداً أن الملف لا شبهات مالية فيه، قدر تعلّق الأمر به، إنما مخالفات دستورية قانونية إدارية: «لا أتحدث عن جرائم مالية إنما عن مخالفات تصلح لتتحول إلى التدقيق الجنائي. إنها مخالفات موثّقة يعود للقضاء توصيفها».
كما حصلت مشادة كلامية بين كل من العلّية وأبي خليل حول المادة 39 التي توجب تحديد سعر تقديري في المناقصة، وهذا ما لم يُطبَّق في صفقة البواخر. إذ عزا أبي خليل السبب إلى مجلس الوزراء الذي أقر الخطة، في حين رأى العلّية أن مجلس الوزراء يقر الخطة ولا يتدخل بعرض الأسعار.
في الختام، أشارت بستاني، التي كانت شبه مستمعة معظم الوقت، أن لغطاً حول مواضيع إدارية حرم اللبنانيين من الكهرباء وأحلّ عليهم شبح العتمة بالرغم من المساعي التي حصلت مع البنك الدولي وشركات عالمية. من جهته حمّل أبي خليل المنظومة والمؤسسات الدستورية مسؤولية تعطيل المشاريع، من خلال إلغاء اعتمادات شراء المازوت وتحويلها لمافيا تجار المازوت، مطالباً بالتفريق بين «ثقافة النور وثقافة العتمة».
أخيراً ناشد العلّية مجلس الوزراء تكليف إدارة المناقصات تسليم الملفات إلى التدقيق الجنائي. وإذ شدّد أن «لا غايات سياسية ولا حتى انتخابية من وراء دفاعي عن إدارة المناقصات»، طالب بالتحقيق في المخالفات بهدف إثبات حدوثها من عدمه كما التطرق إلى كيفية التعاطي مع إدارة المناقصات لتمرير العرض الوحيد أو تكريس الوضع القائم. مطلب العلّية، الذي أبدى كل من أبي خليل وبستاني موافقتهما عليه، هو تسليم كل الوثائق والمستندات موضوع البحث الى شركة «ألفاريز آند مارسال» لغرض إخضاعها للتدقيق الجنائي وسحب الموضوع من التداول الإعلامي والإنتخابي.
أسئلة محرجة
في ختام المناظرة التي استمرت حوالى خمسين دقيقة، كان لافتاً سؤال وجّهه مراسل الـMTV إلى الوزيرين الحاضرين عن سبب التشبّث بوزارة الطاقة إذا كان ثمة من يريد إفشال وزراء التيار الوطني الحر وإفساح المجال لآخرين بالمحاولة بدل التذرّع بلازمة «ما خلونا نشتغل». فالهدف في نهاية المطاف هو جلب التيار الكهربائي كائناً من كان خلف ذلك. طبعاً، لا إجابة شافية هنا. أما السؤال الثاني فكان عن تحالف التيار انتخابياً في بعض المناطق مع حركة أمل رغم اتهام الأول المباشر للرئيس بري بتعطيل خطط الكهرباء. إجابة أبي خليل هنا كانت ببساطة: نجيب على السؤال عندما تتشكّل اللوائح.
النتيجة في جميع الأحوال، قبل المناظرة وبعدها، واحدة. على الأرجح أن كثيرين ممن تسنى لهم – كهربائياً - أن يتابعوها سارعوا بعدها إلى استئناف نشاطهم اليومي استغلالاً للدقائق والثواني قبل أن ينقطع التيار الكهربائي... مجدداً.