د. فؤاد زمكحل - الجمهورية
ثمّة ضغوط جديدة حصلت أخيراً على صعيد سعر صرف الليرة الللبنانية، في مقابل الدولار الأميركي، الذي أضاع التوازن بين سعر منصّة صيرفة والسوق السوداء.
لا شك في أنّ هذا الضياع يعود إلى أسباب تقنية، نقدية واقتصادية مرتبطة بالسيولة وبالأزمة والحرب الجديدة، لكن لها أيضاً أسباباً مشبوهة وعدة أياد سود، وحيتان السوق الموازية التي تنتظر الفرصة المتاحة من أجل تحقيق أرباح باهظة.
منذ نحو ثلاثة أشهر، إستطاع مصرف لبنان المركزي أن يتوصل إلى شبه إستقرار، في سعر الصرف بحسب منصة صيرفة، التي كانت تتداول بسعر الدولار بنحو 20 ألف ليرة، وبشبه توازن مع السوق السوداء، والتي أُجبرت على اللحاق بسوق هذه المنصة الرسمية.
فهذه العصا السحرية، أو بالأحرى هذا الاتفاق السياسي، كان في الواقع تقنياً من اجل التوصل إلى بعض التوازن في العرض والطلب بالعملات الصعبة، حيث كان يُموّل الطلب على الدولار وفق التعميم 161، بسيولة التحويلات الآتية من الخارج، عبر المصارف التجارية، وأيضاً عبر تحويلات شركات التحويل الرسمية وبعض المداخيل الأخرى.
لكن منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية الجديدة، والحرب العالمية الباردة القائمة، إرتفعت فجأة أسعار النفط، والغاز وسائر المشتقات النفطية، حيث وصل سعر البرميل إلى ما فوق الـ 140 دولاراً، فتزعزعت كل الأسواق المالية والإقتصادية العالمية.
أما في لبنان، فعندما حاولت شركات النفط، فتح اعتمادات لإستيراد الكميات المطلوبة في السوق المحلية، أُجبرت على طلب السيولة من «المركزي» أكثر بكثير من المتوقع. ومن جهة أُخرى، توقفت إستراتيجية التمويل (85%/15%)، فركضوا الى السوق السوداء للإستحصال على عملات أجنبية، لأنه لم تعد منصة صيرفة تستطيع تلبية طلباتهم، فهلعت السوق وضاع التوازن.
في التفاصيل، كان هناك مع هذه الشركات النفطية سيولة فائضة بالعملة اللبنانية، بعد طوابير السيارات على المحطات يومي السبت والأحد، فبعد تجميد منصة صيرفة لبعض الوقت، جرّاء الطلب الفائض وزيادة سعر النفط، ركض حاملو العملات اللبنانية إلى السوق السوداء لشراء الدولارات وحماية مداخيلهم، فزاد الطلب كما زاد سعر الصرف.
إضافة إلى هذه الأسباب التقنية غير المتوقعة، من وراء الإرتفاع العالمي لأسعار النفط، إزداد نشر حرب الشائعات وبث الأكاذيب، مثل أن منصة صيرفة ستتوقف نهائياً، وسيتم إلغاء التعميم 161 لزيادة الهلع والضغوط على سعر الصرف، فضاع التوازن وإرتفعت أسعار منصات السوق السوداء.
فليس سراً على أحد أن حيتان الصيرفة والسوق السوداء كانت تنتظر الفرصة الملائمة لتتلاعب من جديد، وتسيطر على أسعار الصرف.
واقع الحال، أن العالم أجمع يُواجه تضخماً كبيراً بسبب الحرب القائمة والطلب بالعملات، لتأمين الحاجات الأساسية والنقدية في كل البلدان. أما لبنان الذي يستورد 100% من حاجاته، في ظل النقص في العملات الصعبة، كان واضحاً ومرتقباً أن يضيع التوازن إزاء المتغيّرات الدولية.
في الخلاصة، ما أدى إلى فقدان شبه التوازن الخجول في سعر الصرف، بدأ بإرتفاع أسعار النفط الدولية، والذي أدى إلى إرتفاع الطلب بالعملات الصعبة، والتوجّه مرّة جديدة إلى السوق السوداء، التي كانت جمرة مشتعلة تحت الركام، فإزدادت حرب الشائعات المضرّة وبعض العمليات الصيرفية الكبيرة لفقدان التوازن، فهلع الجميع، حيث دفع الثمن المواطن والإقتصاد، وربحت وإستفادت مرة أخرى، الأيادي السود ونسور المال.