محمد بلوط - الديار
تسللت الشكوك في امكانية اجراء الانتخابات النيابية في موعدها مجدداً في الايام القليلة الاخيرة، على وقع اعادة مناقشة موضوع «الميغاسنتر»، لكن هناك مؤشرات اخرى دفعت وتدفع باتجاه تزايد هذه الشكوك بعد اندلاع حرب اوكرانيا والتداعيات الناجمة عنها حتى الآن.
وبغض النظر عن السجالات التي جرت سابقا واليوم حول خلفية طرح «الميغاسنتر» من جديد، فان همساً بدأ يجري في كواليس مراجع وقيادات سياسية مفاده ان التداعيات الخطيرة التي يشهدها لبنان على صعيد ارتفاع اسعار المحروقات المطرد الى جانب الخطر الذي يتهدد الامن الغذائي، من شأنهما ان يحدثا اثرا كبيرا على العملية الانتخابية، ويؤديا الى هبوط دراماتيكي في عدد الناخبين، لا بل ان الهزّة التي قد يتعرض لها لبنان ستؤثر حتما على الوضع العام في البلاد وتطيح بالانتخابات.
هل صحيح هذا الكلام أم انه يندرج في اطار توفير الحجج والمبررات لتأجيل الانتخابات؟ وهل يمكن ان يجرؤ اي طرف على تظهير هذه الحقيقة ومفاتحة اللبنانيين بها؟
حتى الآن لا يجرؤ اي طرف على طرح فكرة التأجيل، ما عدا وزير السياحة المحسوب على رئيس الجمهورية وتياره، الذي سارع الى التصويب والتوضيح، مؤكدا ان ما قاله تعرّض للتحريف والتأليف، ومشدداً على وجوب اجراء الانتخابات في موعدها.
وفي موضوع طرح «المغاسنتر» لم يبد اي طرف معارضته لاعتمادها، بل شارك الجميع في التأكيد عليها، لكنهم اختلفوا على اقرارها في مجلس النواب سابقا، خشية البعض منهم ان تكون سببا في تأجيل الانتخابات بين ستة أشهر وسنة.
واليوم يتجدد النقاش على الموجة نفسها، فوزير الداخلية، قبل تشكيل لجنة وزارية لبحث الموضوع، استبعد في تقريره امكانية انجاز «الميغاسنتر» في المدة الباقية الفاصلة عن موعد الانتخابات، واشار الى التعديلات التي يحتاجها هذا الموضوع، الامر الذي قد يؤثر على الآلية الزمنية المعتمدة في القانون. وخلال النقاش في اللجنة، ظهر ان هناك اكثرية مع هذا الرأي، لكن هناك من يعتقد ان لا موانع كبيرة تحول دون اعتماد «الميغاسنتر»، واجراء الانتخابات في موعدها او مع تأخير طفيف.
وفي كل الاحوال، يواجه الجميع في غياب «الميغاسنتر» مشكلة آخذة بالتفاقم، وهي مشكلة انتقال نسبة كبيرة من الناخبين من اماكن سكنهم الى مراكز صناديق الاقتراع في بلداتهم وقراهم بسبب الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات. وهنا يبرز التفاوت في فرص توفير هذه الامكانيات للناخبين من قبل طرف وآخر، حتى ان البعض يرى الرشوة الانتخابية بكل معنى الكلمة.
وتقول مصادر سياسية مطلعة انه مع اندلاع حرب اوكرانيا وارتفاع سعر المحروقات الصاروخي، بدأ الحديث يتزايد حول هذا الموضوع في الاروقة السياسية وفي بعض اللقاءات المغلقة على نطاق سياسي وحزبي ، على اعتبار ان كلفة النقل ستقلل في كل الاحوال من نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع، وبالتالي ستؤدي الى انخفاض الحاصل الانتخابي في كل دائرة، وما يمكن ان ينتج عن هذا الامر من نتائج متفاوتة وغير محسوبة.
وتضيف المصادر نقلا عن قطب سياسي قوله، ان مشكلة ارتفاع اسعار المحروقات بهذا الشكل الجنوني مع استمرار حرب اوكرانيا، وفي ظل الضائقة المعيشية الكبيرة التي يعيشها اللبنانيون، بات يعتبر من ابرز العوامل المؤثرة على عملية الانتخابات، وانه انتقل الى اولوية العناصر التي تثير الشكوك حول مصير الاستحقاق الانتخابي. فالمواطن غير قادر على تأمين كلفة الانتقال الى عمله، فكيف يكون مستعداً لتحمّل عبء الانتقال الى صناديق الاقتراع، اذا اراد ان يكون محرّرا من الولاء لمن يستطيع من القوى او الجماعات تأمين هذه الكلفة مقابل الحصول على صوته؟ ثم ان هناك تفاوتا موجودا اصلا بين امكانيات القوى والاطراف المتنافسة، وهذا التفاوت مرشح للتوسع في ظل ازمة المحروقات والنقل.
وبتقدير القطب السياسي، انه اذا استمرت حرب اوكرانيا الى حين موعد الانتخابات في ايار، فان صفيحة البنزين قد تتخطى الثمانمئة الف ليرة، فكيف نطلب من المواطن في مثل هذه الحال الاقبال بحرية وبكثافة على صناديق الاقتراع؟ ثم كيف يمكن ان تؤمن القوى السياسية هذه الكلفة الباهظة؟ ويستدرك قائلا «هذا الكلام ليس تبريرا او حجة لتأجيل الانتخابات، لكن هناك حقائق لا بد من التوقف عندها.
صحيح ان «الميغاسنتر» تعتبر حلا مثاليا لمثل هذا الموضوع، ولتأمين العدالة في العملية الانتخابية، وتوفير مناخ الحرية اللازم للناخب، الا ان الوضع الراهن يؤشر الى تعذر تأمين هذه الآلية من اليوم وحتى موعد الانتخابات، لذلك فاننا امام معضلة تطرح الشكوك حول مصير الانتخابات، على الرغم من ان اي طرف غير مستعد لتحمّل وزر الدعوة الى تأجيلها يوما واحداً».
ووفقاً للاجواء التي اخذت تسود اخيرا، فان تداعيات الحرب في اوكرانيا امتدت الى كل العالم، ومنها بطبيعة الحال الى لبنان الذي اصبحت معاناته مضاعفة على صعيد ازمة المحروقات واسعار المواد الغذائية الاساسية.
من هنا، يعتقد القطب السياسي كما تنقل عنه المصادر، ان هناك مخاوف جدّية من تزايد تداعيات هذه الحرب على الوضع في لبنان بما في ذلك على موضوع الانتخابات النيابية ومصيرها، لكن هناك مخاوف مماثلة واكثر اذا ارجئت الانتخابات ولو لفترة قصيرة لا تتجاوز الاشهر المعدودة، لأن سلوك هذا الخيار يهدد بانفجار اكبر.